المحبطون والفوضويون.. وجهان لعملة واحدة
هناك نوع من العداء للنجاح، عداء لكل خطوة في مجال التقدم والتطور، هذا النوع يتلبس بفئات تعبر عن عدائها بمكر وبطرق ملتوية غير مباشرة، فهم يظهرون بمظهر الحمل الوديع الذي يمارس المصلحة العامة والحرص على فائدة الآخرين، لكنهم في الحقيقة يبثون سمومهم بشكل قاتل ومميت دون تردد أو رجفة ضمير.. هذه الفئة مع الأسف توجد في كل مجتمع، خاصة كلما كان هذا المجتمع متطورا ومتقدما، تظهر هذه الفئات بكلماتها الإحباطية التي تقلل من كل إنجاز ومن عمليات التنمية، وتصف مظاهر التطور والبناء الحضاري حتى لأوطانها بأوصاف ظالمة غير منصفة، هذه النوعية نصادفها في المجالس ومواقع العمل،
هذه الفئة من المحبطين التي تقلل من منجزات وتقدم بلادهم ويمارسون النقد الظالم، مع الأسف أثرهم بالغ، ويجدون مصداقية وانتشارا لأكاذيبهم على نطاق واسع والسبب أنهم من أهل البلد وأعرف به من الغريب، هذه الفئة فئة المحبطين، ببساطة متناهية ستلاحظ أنهم أيضا يتمتعون بخصلة أخرى لا تقل غرابة وشذوذا عن خصلة التحبيط والتقليل من منجزات الوطن والأفراد، وهذه الخصلة مترافقة ومتلازمة مع الإحباط وهي الفوضوية، فلن تجد إنسانا يعاني الإحباط إلا وهو فوضوي بكل ما تعني الكلمة، بل يعشق أن يشاهد الفوضى منتشرة، وكلما وجد تنظيما يحاول الحد من الانفلات والفوضى، تجده أول المنتقدين والممارسين للنقد والتقليل من جهود تنظيم المجتمع، هذه الفئة يمكننا ملاحظتها في أولئك الذين انتقدوا بقسوة نظام ساهر، لأنه فقط حاول أن ينظم الحركة المرورية وردع المخالفين الفوضويين، وهذه الفئة نفسها تجدها في عواصم العالم المختلفة تشيد وتمدح النظام المروري، وكأن الناس هناك ملائكة وليسوا بشرا مثلنا يردعهم النظام والقانون.
من الأشياء اللافتة للانتباه انشغال البعض بإحباط الآخرين والتقليل من مجهوداتهم وكسر هممهم، ويجد البعض المتعة في أن يكون شخصا مُحبطا عبر وسائل التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، وفي المجالس ويتبنى قصصا وقضايا جميعها تدور في إطار الإحباط والتشاؤم. إذا ما هو الإحباط من الناحية النفسية، فقد عرف بأنه حالة نفسية تعبر عن عدم تحقيق الإنسان حاجاته أو رغباته الأساسية أو مصالحه سواء أصيلة أو غير أصيلة، وفي الغالب عندما يعيش الشخص حالات من الإحباط المتكرر فإنه لا محالة سيكون شخصا مكتئبا، فتكرر الإحباطات على الفرد واستسلامه لها يقود إلى الاكتئاب التفاعلي، وقد يصاب بأمراض اكتئابية أو فصامية عندما يكون لديه الاستعداد الوراثي.
المشكلة الأكثر سواء بالنسبة للأشخاص عندما يكون الإحباط داخليا ونابع من أفكار وسلوكيات تغذي المحتوى المعرفي لديه به، حتى تصبح الأفكار عادة فكرية وسلوكية تجعله شخصية قلقة واكتئابية ومتشائمة ومتوجسة إلى جانب المعاناة من الأفكار السلبية التي تغذي سوء الظن، وعندما يكون الإنسان في مثل هذه الحالات فإنها في الأصل تكون قد تكونت بفعل البيئة المحيطة التي تربى فيها، السلوك والفكر الإحباطي يخلق لديه نوعا من العجز النفسي للإنجاز والإيجابية مقابل إيجابية الآخرين وإنجازاتهم، وحتى لا يصاب بالمرض النفسي لأول وهلة فإن دفاعاته النفسية اللاشعورية تقوم بدورها من خلال عمليات الإسقاط كنسب العيوب التي في نفسه، والتي في أفكاره على الآخرين، النكوص وهو العودة إلى مستويات سلوكية غير ناضجة كالتسمي بأسماء مستعارة لإطلاق احباطاته على الآخرين لإحباطهم، والشعور بالسعادة من ردود فعلهم المحبطة، وهذا نوع من العدوان على الآخرين، وهناك من الدفاعات اللاشعورية التي تصدر عن أولئك السلبية للهروب من الضغوط والمسؤوليات والتبرير كتفسير بعض المواقف والسلوكيات الخاطئة، وخاصة التي يقوم بها تبريرات ترضيه نفسيا، وهناك من يعبر عن دوافعه المستنكرة التي يرغب فيها بشدة، ولكنه لا يستطيع أن يقوم بها بشكل معاكس على سلوكيات وأفكار الآخرين... إلخ.
المهم، أعتقد أن محاولة إخضاع السلوك المحبط للدراسة من خلال البيئة المحلية لفهم مكونات شخصية وأفكار الشخصية المحبطة وما يرتبط بها من سلوكيات كالفوضوية والعدوانية وغيرها، مطلب ملح للحد من هذه السلوكيات وإيجاد وصفة علاجية لمن يعاني تلك المشكلات حتى لا تؤذيه وتؤذي غيره.