ثقافة تقديم الخدمة.. موظفون يفسدون المنجزات
في عصر التنافسية والبقاء للأفضل والأكثر فائدة للناس، بدأت مفاهيم إدارية يتم تدريسها في مجالات علم الإدارة والتنظيم أو في إدارة الأعمال، تكتسب أهمية بالغة، وفي عصرنا الحالي بدأت تتنامى الحاجة لإكساب الموظف أو مقدم الخدمة للجمهور مهارات التعامل، وتنمية معارفه ومحاولة إكسابه ثقافة مغايرة تماما لما تعود عليه. فالصورة التي ترسخت في الأذهان حول الموظف المكشر العصبي الذي يتحدث بالأوامر والزجر مع المراجعين بدأت تختفي، أو على الأقل بدأت في الانزواء، أو حتى باتت تصنف على أنها سلوك خاطئ وشاذ يضر بسمعة المنشأة ككل.
كثير من القطاعات الحكومية مع تحولها وخصخصتها، باتت تدار بذهنية القطاع الخاص المبني على الربحية ومحاولة كسب رضا العميل وتقديم الحوافز له، لاحظ الجميع تحسنا في الخدمة ونموا مطردا لها، بل تطورها، وبات الطرفان مقدم الخدمة ومتلقيها على وفاق تام ورضا وتطلع للأفضل، لعل قطاع الاتصالات في هذا السياق خير مثال، فمجرد أن تحول عملها نحو ذهنية الكسب والخسارة، وباتت الدولة مشرفة ومنظمة للعمل في هذا القطاع ككل وسمحت بدخول شركات أخرى حتى ازدهر ونما وباتت استثماراته حتى خارج المملكة في نجاح لافت وكبير. الحال نفسه في قطاع المؤسسات المالية من المصارف، فتعدد المصارف العاملة في المملكة وتنافسها الإيجابي عاد بالفائدة على العملاء من حيث تقديم الخدمات الإلكترونية وتطورها، رغم أن هناك دعوات متنامية لفتح الباب أمام الاستثمار المصرفي. أعتقد أن جهات خدمية حكومية مثل الخدمات التي تقدمها وزارة مثل وزارة الشؤون الاجتماعية، التي تستهدف كبار السن والمعوقين والأيتام وغيرهم، تتطلب مهارة أكبر، بحيث يكون موظفو استقبال الجمهور على ثقافة وإنسانية بالغة للتعامل مع هذه الفئات العزيزة علينا. تبعا لهذا فإن الخدمات الإلكترونية، ودون شك خففت كثيرا من الأعباء وخففت الزحام والضغط على الموظفين، وهناك عدة نجاحات للقطاع الحكومي مثل وزارة التجارة والصناعة التي تقدم اليوم جملة من الخدمات من خلال موقعها على شبكة الإنترنت، الذي خفف الزحام بشكل لافت، لكن الإنجاز الحقيقي واللافت هو ما قدمته وزارة الداخلية والخدمات الإلكترونية، حيث دشن وزيرها المحبوب الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، قبل أيام خدمة جديدة من ضمن خدمات أبشر، وهي تجديد الإقامة إلكترونيا لتنضم لجملة من الخدمات في غاية من الأهمية للمواطن مثل الخروج النهائي والخروج والعودة وغيرها، التي وفرت على المواطن العناء والمشقة التي كان سابقا يتكبدها.
وهناك جهات حكومية أخرى تتسابق في هذا المضمار، الذي أريد الوصول إليه أنه تبعا لكل هذا التطور وتسخير التقنية لخدمة المجتمع ككل، فإننا مطالبون مع هذه الإنجازات أن نطور من مهارات الموظفين وأقصد تحديدا المهارات الإنسانية، أن يتم تنمية الحس والشعور بالآخرين، ولن يكون صعبا على أي جهة خدمية أن تطلب تصميم دورات في هذا المجال وإلحاق موظفيها خاصة عند تعدد شكاوى المراجعين، فمثل هذه الدورات شديدة الأهمية، وفي بعض الدول يتم إلزام موظفي الجمهور بالالتحاق بها، لأنها تكسبهم مهارات في التعامل والإصغاء للمراجع، وأعتقد أن مثل هذا الجانب شديد الأهمية لكل جهة حكومية تقدم خدمات متطورة وحضارية للجمهور، ووسط كل هذا النجاح والتميز يأتي موظف بتصرف غير مسؤول وبعيد عن الحس الإنساني ويفسد كل هذا، حيث تشاهد تصرفاته الرعناء عند نشرها على مواقع اليوتيوب أو تويتر وفيس بوك وغيرها.