التأهيل والتدريب .. لماذا لا نستعين بالتجربة الألمانية؟
تحدثت في مقال سابق عن زيارتي لأحد المصانع في مدينة شتوتجارت الألمانية وتحديدا منطقة البلاك فورست، حيث تطرقت إلى؛ بماذا تمتاز هذه المنطقة غير طبيعتها الجميلة التي يصعب وصفها؟ إذ أجابني حينها أحد المسؤولين بأن هذه المنطقة تحولت للتخصص في تصنيع مكائن ''المولدينغ'' التي تدخل في صناعة المنتجات القائمة على الصناعات البتروكيماوية بكل أنواعها وتوابعها، حيث تتوزع جميع تلك المصانع التي جميع حوائطها الخارجية من الزجاج، بين القرى، وتوظف أهلها ويعيشون منها، أي أنهم يعتمدون عليها في حياتهم، كما ألمحت خلال المقال ذاته إلى اشتراطات السلامة والبيئة في مصانع هذه المنطقة، ورد علي في ذلك الوقت أحد المسؤولين قائلا ''ما دمنا ملتزمين باشتراطات البيئة والسلامة فستبقى هذه المصانع مفتوحة''.
اليوم ونحن رجال الأعمال دائمو الشكوى من عدم توافق مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل؛ سأتحدث عن موضوع آخر في هذه الزيارة أيضا، المتمثل في تخصيص المصنع الذي زرته جزءا من مساحة صالة الإنتاج للشباب من خريجي الثانوية كي يتدربوا فيها بمعدل ثلاثة أيام في الأسبوع، ويقضون يومين في المعاهد الصناعية، على أن تتحمل الدولة نفقات التدريب والمكافآت الشهرية، أما المصنع فيوفر لهم الآلات والمكان لمدة ثلاث سنوات، يتخرج بعده الشاب مؤهلا تأهيلا علميا وعمليا ويتلاءم مع احتياجات السوق، كذلك قرأت تقريرا صادرا من شركة ديلويت عن اعتزام شركة بي. إم. دبليو عمل برنامج تدريبي لمدة عام للشباب العاطلين عن العمل، وذلك لإعادة تأهيلهم تحت اسم ''إعطاء شيء'' give something back، حيث يطبق هذا البرنامج في ألمانيا كتجربة في البداية، وإذا صاحبه النجاح سيكرر في كل من إيطاليا واليونان .. وكلنا يعلم علما أكيدا مدى جودة المنتجات الألمانية ودقتها في الإنتاج، ومن البديهي أن التدريب أيضا سيكون على أعلى جودة للوصول لهذه المنتجات العالية الجودة. وفي السياق نفسه لا يفوتني أن أشيد ببرامج شركة أرامكو في التدريب والتأهيل لموظفيها وفنييها.
وفيما يخص مملكتنا الغالية، لا أحد ينكر ما بذلته الدولة من جهود كبيرة، ودعم مالي متواصل، من خلال المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، وجهازها الذي يعمل على مدار الساعة لبناء معاهد في مختلف مناطق المملكة، ونظير ذلك لا يملك أي مواطن منا إلا أن يتقدم بالشكر والعرفان لهذا الدعم الكبير من أجل تأهيل شبابنا في مختلف المهن، كما أنني على علم أن هناك أفكارا كثيرة تدرس للاستعانة بأفضل التجارب والشراكات الدولية للوصول إلى الأهداف التي ينشدها الجميع، لإيجاد شباب سعودي مؤهل تتوافق قدراته وتأهيله مع سوق العمل.. لكن لو استخدمنا الآلة الحاسبة لحساب وتحديد تكلفة الخريج سواء كان من خلال ما يصرف على المباني والتجهيزات، أو توفير الجهاز الوظيفي الإداري والتعليمي، إضافة إلى المكافآت التي تصرف للطلبة، لوجدنا - حسبما أعتقد - أن التكلفة عالية جدا وليست مبررة ولا تحقق العائد المأمول عن المبالغ المستثمرة من وجهة نظر اقتصادية .. ومن هنا أود طرح تساؤلي: لم لا نستعين بالتجربة الألمانية سواء المطبقة في المصانع التي ذكرت، برنامج شركة بي. إم. دبليو أو شركة أرامكو؟ واستغلال هذه التجارب الألمانية وبالذات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وبذلك نحقق هدفين: أولهما يتضمن توافر الخريجين الذين تحتاج إليهم سوق العمل، أما الهدف الثاني فيتمثل في مساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بتوفير ما تحتاج إليه من موظفين مؤهلين، لتكون قادرة على استيعاب الشباب الذي تم تأهيله وتدريبه نظريا وعمليا، لأنها لن تستطيع القيام بذلك من دون تبني الدولة البرنامج وتمويله، ويمكن اعتبارها من ضمن آليات الدعم المأمولة عند قيام هيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.