.. يستشري داء سوء الفهم في أطراف الوسط الرياضي، انتشار النار في الهشيم، ويحدث لأسباب طبيعية وأخرى متعمدة غير طبيعية.
أما الأسباب الطبيعية، فتتوزع بين ضعف المُخاطِب في الإيضاح ما يبعده عن الوصول إلى مقاصده، ويوقعه في الخطأ بسبب عجزه عن إيصال رسالته لقلة علمه ومعارفه وفقر لغته، وافتقاده مهارات التواصل الإعلامي أو المباشر، وقد يكون السبب ذاته لدى المتلقي فيعجز عن الفهم الصحيح ويجنح إلى السيئ. وتأتي العجلة والتسرع ثاني الأسباب، إذ يقفز المتلقي بنصف الفكرة قبل تمامها، ويكسر المستثنى منها أو المصنف المحدد فيها.
.. وفي هذا أظن الصحافي السعودي الشهير عثمان العمير قد بلغ المقصد في واحدة من تغريداته حين قال: ''لو فهمنا ما نقرأ قبل أن نبدأ بردة الفعل والصراخ لتغير التاريخ وربما الجغرافيا''.
وبسبب ضعف المعرفة اللغوية والاصطلاحات المهنية ينشأ الخلاف بين المتلقي والمرسل، وهو أمر يظهر بوضوح في الرسالة الإعلامية ويعاني منه ممارسو المهنة، فلا يميز المتلقي بين المفردات ودقتها، ما يوقعه في سوء الفهم، ويحدث هذا كثيرا في الأخبار التي يكتبها الصحافي الرياضي، ويتلقاها متعاطو الرياضة، وأبرز صورة تتضح عندما يكتب صحافي رياضي خبرا مفاده: يقترب النادي من التعاقد مع اللاعب (....). ولا يتم التعاقد بين الطرفين فيحول المتلقي الخبر إلى سكين يغرسه في مصداقية الصحافي، رغم أن الخبر كان عن المفاوضات فقط لا تمام التعاقد.
الأسباب غير الطبيعية، أو المتعمدة، كما أسميها، ناتجة بالدرجة الأولى عن الآراء المسبقة تجاه الرسالة، أو المرسل، وهو ما يُفقدُ المتلقي الموضوعية في تفهمها، ويلغي فاعليتها، ويوقعه في سوء فهم مقصود قد يذهب به إلى أبعد من ذلك وهو الترويج له، انتقاما من المرسل وتربصا به، ورغبة في تكوين رأي مضاد لكل أطروحاته المقبلة، وفي ذلك يقول الشاعر:
إنارة العقل مكسوف بطوع الهدى وعقلُ عاصي الهوى يزداد تنويرا
وتتكون الآراء المسبقة تجاه المرسل لسبب وحيد في ظني، وهو التعصب، الذي قد يتنقل بين المرسل أو المتعصب أيضا، ويشكل صورة نمطية في ذهنيتهما تجاه الآخر، تُقيد أحدهما في أحكامه اللاحقة ولا يستطيع عنها انفكاكا، وفي هذا قيل: ''وحبُّك الشيء يُعمي ويُصم''، وقد لا يعلم المتعصب أنه متعصب، ما لم يعمد إلى مراجعة أفكاره في حالة هدوء وسكينة وصفاء ذهني، تسمح له بتقبل الآخرين وإن اختلف معهم ولا تمس احترامهم. وعن هذا قال الإمام الكرجي القصّاب: ''من لم ينصف خصومه في الاحتجاج عليهم، لم يقبل بيانه، وتاه برهانه''.
أما من يدعم الترويج للأحكام المسبقة على الآراء، فهو متربص منتفع من تحويرها يريد الانتقام لشيء ما، من أحد ما، لخلافات مذهبية أو شخصية أو انتمائية، أو أحمق لا يفهم الرسالة جيدا ويقفز بها لما يحقق غاياته وأهدافه وميوله، وهذا ينطبق عليه قول الشاعر القديم:
أقول له عمرا، فيسمعه سعدا ويكتبه حمدا وينطقه زيدا
ولا يمكن إيجاد علاج ناجع لسوء الفهم، فهو نتاج لنوازغ، تتنازع البشر منذ الخلقة الأولى، تتوزع بين نزغ الهوى والميل، وبين الشيطان ووساوسه، لكن يمكن مقاومته بنشر مبادئ الحوار وتقبل المخالف، وتثقيف الناقص في العلم والمعرفة دون تقريع يقهره، ويحوله إلى قط أعمى بمخالب نمر.
