«حافز» والسعودة ومهنة الحلاقة

كنت أجلس في مقعد الحلاق الذي اعتدت زيارته كلما أردت قص شعري، وكان يبدو عليه الحزن الشديد، وسألته إن كان كل شيء على ما يرام، فرد علي أنه قلق بشأن تجديد إقامته فقد طلبت منه وزارة العمل أن يعين سعوديا لكي يتم إنهاء معاملاته لديها، فسألته وما هو العمل الذي يمكن لسعودي أن يعمله لديك، فرد بشكل جاد : لا ليس لكي يعمل، فقط ليتسلم راتبا وأنا أدفع عنه التأمينات الاجتماعية ليحظى براتب تقاعدي بعد عمر طويل، كل هذا الدلع ولم أجد سعوديا يقبل بذلك. قاتل الله ''حافز''.
الواقع أن وزارة العمل تبالغ كثيرا في ذلك، كان يجب عليها أن تدرس الأمر بطريقة مختلفة. لست ضد ما تبذله الوزارة من أجل السعودة، بل أنا من مؤيدي السعودة إذا طبقت بمنهج علمي مدروس، وتمت دراسة الموضوع بكل جوانبه الاجتماعية والاقتصادية، ولكننا نحاول أن نفعل ذلك بطريقة غير صحيحة، يجب علينا مثلا أن نفرق بين نشاط البقالة ونشاط الحلاق، فالبقالة أمر يضر تحضرنا لأننا يجب أن نشتري متطلباتنا من السوبر ماركت وليس من البقالة لكي تنتشر أسواق السوبر ماركت في مدننا، وهذا هو الاتجاه الصحيح لتحضر أكثر، أما الحلاقون فأعتقد أن انتشارهم ساهم بشكل كبير في ظهورنا بمظهر لائق، فالحلاقة بجميع ملحقاتها من تنظيف للبشرة وصبغ الشعر هي التي جعلتنا نتطور على مستوى المظهر الخارجي بشكل ملحوظ خلال الـ 20 سنة الماضية.
أنا مع محاولة سعودة الحلاقين ولكن ليس بطريقة أن نفرض على الحلاقين الحاليين غير السعوديين تعيين سعودي لديهم، بل نوجد مراكز لتدريب السعوديين على مهنة الحلاقة بما يجعلهم الأعلى شأنا فيها، فتكون محال الحلاقة ذات الخمس نجوم من نصيبهم، ولا مانع عندها من تعيين مساعدين لهم غير سعوديين.
يجب علينا أولا وقبل أن نشن هجومنا على إحدى المهن أن نقيس المنافع التي يحصل عليها المجتمع منها، ويجب علينا ألا نضحي ببعض هذه المنافع لكي نسعود تلك المهن، لماذا لا نجعل السعوديين مؤهلين أكثر فيها بما يجعلهم يقدمون من تلك المهن منافع للمجتمع تفوق تلك التي يقدمها غير السعوديين، وبذلك تكون الطبقة العليا من العملاء مع المهنيين السعوديين والطبقة الأقل منهم مع غير السعوديين، وأعتقد أن ذلك سيجعلنا ننجح في السعودة التدريجية للمهن.
وما يحصل حاليا هو أن صاحب محل الحلاقة عبارة عن سعودي يعمل في شركة كبيرة ويتقاضى راتبا ضخما، وقد فتح هذا النشاط ليستثمر مدخراته بطريقة تأجير محل الحلاقة لحلاقين غير سعوديين، وهنا تكمن المشكلة، إن ذلك السعودي هو من أخذ فرصة استثمارية هي من حق سعودي عاطل يتمنى أن يتم تأهيله كحلاق وأن يجد من يمول مشروعه الصغير، ويمكن لذلك السعودي الذي يعمل في الشركة الكبيرة أن يستثمر مدخراته في أنشطة أخرى مثل البورصة أو صناديق الاستثمار البنكية أو حتى في العقار.
يجب على وزارة العمل أن تضع أنظمتها بمشاركة الغرف التجارية وأن يتم النظر لموضوعات السعودة في مختلف المهن من جميع الزوايا، سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية.
يجب على وزارة العمل أن تعلم أن قراراتها تؤثر في الجوانب الاقتصادية بشكل كبير، ويجب أن تسير السعودة بطريقة لا يضطر المجتمع فيها أن يضحي بمنافع كان يحصل عليها بوجود العمال الأجانب.
أنا مع دعم برامج التدريب للسعوديين وأنا مع توفير بيئة عمل ملائمة ومناخ مناسب جاذب للسعوديين، ولكني ضد أن يكون ذلك على حساب المنافع التي يحصل عليها المجتمع. يجب أن نراعي ذلك وألا نجري وراء برامج السعودة دون أن تكون لدينا أدوات قياس نضمن من خلالها عدم تأثر المجتمع بتلك البرامج، وألا تتأثر المنافع التي يحصل عليها، ويجب علينا وضع الخطط الاستراتيجية التي تحقق أهداف السعودة وفي الوقت نفسه تضمن عدم تأثر منافع المجتمع منها، أعتقد أنه آن الأوان لكي يجلس المسؤولون في وزارة العمل مع المسؤولين في وزارة التجارة والغرف التجارية ليضعوا خططا استراتيجية واضحة تلبي احتياجات الجميع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي