ما زلت أذكر الصبي الذي اضطرت كتيبة من المعلمين، ووالديه، إلى حمله عنوة إلى داخل غرفة الصف في يومه الدراسي الأول. وفي الوقت الذي جلس فيه الطلاب ذوو السنوات الست في مقاعدهم بكل ارتياح، كان يبكي ويقول: "لا أريد الذهاب إلى المدرسة".
حين أنظر إلى الأمر الآن بعد مرور سنوات طويلة، أجد أنه كان محقاً تماماً. السنوات الـ 12 التي قضيتها في المدرسة كانت مملة ومعظمها لا جدوى منه. لا أكاد أتذكر أي شيء تعلمته بعد أن تعلمتُ القراءة والكتابة والحساب. تعلمتُ كيفية الكتابة من مقال جورج أُورْويل المعنون "السياسة واللغة الإنجليزية" أكثر مما تعملتُ طيلة سنواتي المدرسية. ثم إني لم أتعلم الكثير من حيث التفكير المنطقي (ولعل هذا هو السبب في أن المطاف انتهى بي لأكون صحافياً). أهدرتُ السنوات التي مرت حين كان دماغي لا يزال قابلاً للتشرُّب. هذه التجربة على الأرجح معروفة، لكن كان من الممكن أن يختلف كل شيء لو أن شخصاً علمني فقط مهارة أساسية واحدة، وهي كيفية التعلم. والآن وقد بلغت طفلتي السابعة من العمر، وفي سبيلها إلى الانطلاق في مشوار الكدح الطويل الممل، أعتزم أن أعطيها المعلومات الحيوية مسبقاً.
المدارس، مثل المكاتب، مبنية حول مفهوم الزمن الاسمي. أسهل شيء للقياس هو أن تكون موجوداً هناك، وهم بالتالي يقيسون ذلك. في أيامي كان يُحشَر 30 طفلاً من مختلف القدرات ومجالات الاستيعاب في غرفة بنوافذ مغلقة، في الوقت الذي يكتب فيه المدرس أشياء على السبورة. كنا نتعلم أشياء في كل يوم، لكن لم نتعلم قط كيفية استيعابها. مع ذلك أساسيات كيفية التعلم بسيطة للغاية إلى درجة أنه يمكن نقلها في مقال طوله 800 كلمة. أداة الدراسة الرئيسية التي تعلمتها أثناء البلوغ هي: الغفوة. يتفق خبراء النوم على أن الغفوة القصيرة يمكن أن تعيد شحن الدماغ. يقول موريس أوهايون، مدير مركز أبحاث أمراض النوم في جامعة ستانفورد: "غفوة قصيرة لمدة عشر دقائق يمكن أن تؤدي إلى تحسن كبير في اليقظة". هذه حقيقة كان يعلمها كل من ونستون تشرشل ومارجريت تاتشر وألبرت آينشتاين.
ولسوء الحظ لم أكتشف ذلك إلا بعد أن كبرت. حين تكون مراهقاً تحتاج إلى أكوام ضخمة من النوم. وكثير من أوقات الصباح في المدرسة كنت متعباً إلى درجة تمنعني من التعلم (خصوصاً في سن 16 سنة، حين قررت أن بإمكاني تدريب نفسي على التعامل مع النوم لمدة أربع ساعات فقط). وكان الدرس الذي لم يكن هناك من يعطيني إياه هو : "بدلا ًمن محاولة الدراسة لمدة ساعتين، عليك أن تنام لمدة 15 دقيقة ثم افعل كل شيء خلال ساعة".
في الشقة التي أعمل فيها في باريس في الوقت الحاضر، أهم قطع الأثاث المكتبي لديَّ هي الكنبة والبطانية. لكني نشأت في بلاد تعتبر الغفوة فيها دليلاً على الكسل، وليس من محفزات اليقظة. لا يزال الجهل مستمراً : وفقاً لاستبيان من جمعية إدارة الموارد البشرية في 2010، فإن 5 في المائة فقط من أصحاب العمل الأمريكيين لديهم غرفة "الغفوة" في مكان العمل (والتي تكون في الغالب مجرد فرشتين جنباً إلى جنب).
وبعد سنوات من انتهاء المدرسة، توصلت إلى اكتشافي المتأخر الثاني حول التعلم، وهو كيفية التذكر. (المذاكرة مهارة أخرى تصبح بلا جدوى بعد المدرسة، لكن من السهل قياسها، بالتالي فإن المدارس تقيسها). الكشف الكبير الذي توصلت إليه جاء أثناء نزهة في سنترال بارك في نيويورك. كانت زميلة لي في ذلك الحين تشتكي لصديق لها أنها في كل مرة كانت تذكر أمامي أحد خلافاتنا السابقة، أكون قد نسيته. وكانت تضطر دائماً لتذكيري بما كنا نختلف بشأنه، قبل أن تشرح لي السبب في كوني مخطئاً. وسأل الصديق، الذي كان مختصاً في جراحة الدماغ : "هل لديكِ مذكرات يومية؟". فأجابت بالإيجاب. فقال لها : "هذا هو السبب في أنك تتذكرين". كانت زميلتي تحفر التجربة في ذاكرتها من خلال تكرارها.
معنى ذلك أنك تتذكر الأشياء من خلال التكرار الدوري – وليس من خلال عمليات الحشو المحمومة في الدماغ ليلة الامتحان. مثلا، إذا كنت تريد أن تتذكر أن معركة هاستنجز وقعت في 1066، راجع هذه الحقيقة لمدة دقيقة كل مساء لمدة أسبوع، بدلاً من 10 دقائق ليلة الامتحان. هذا هو "مفعول المسافة الزمنية"، الذي اكتشفه عالم النفس الألماني إيبنجهاوس عام 1885. لكني اكتشفته بعد فوات الأوان.
تيج ساماني، مؤسس الشركة البريطانية "بيرفورمانس ليرننج"، التي تساعد الطلاب على التعلم، لديه أسلوب مفضل يستخدمه في مفعول المسافة الزمنية. مثلا، حتى تتذكر التاريخ 1066 اكتبه على ورقة ملاحظات خاصة وعلقها على نافذة غرفة النوم. ستراها كل يوم – ومن خلال التكرار ستتعود على أن تربط بين 1066 وبين النافذة. حين تفكر في النافذة ستتذكر 1066. ولدى طلاب ساماني حقائق ومعادلات معلقة في أماكن مختلفة في غرف نومهم. ويقول : "أنا من أشد المؤمنين بالتعلم دون بذل كثير من الجهد. يحكم الناس على النجاح استناداً إلى قولهم إنهم قضوا 15 ساعة في المراجعة هذا الأسبوع. يا للذكاء! لكن ما مقدار ما تتذكره؟ ربما ساعة واحدة".
غالباً ما تقوم بأفضل اكتشافاتك في قفزة معرفية مفاجئة. ولا أزال أتذكر اللحظة، حين كان عمري 14 سنة، عندما استوعبت أخيراً، بعد أشهر من عناء عدم الاستيعاب، أن السطر الثالث من الرسم البياني كان يمثل البعد الثالث. لعل ابنتي سيكون لها شعور "وجدتها" الخاص حين أجعلها تقرأ هذا المقال.

