تجاوزات «البطحاء» وأخطاره .. النظام أولا

لن يكون مقبولا أن توجد عمالة غير نظامية، فضلا عن أن تمارس نشاطا أيا كان نوعه، ومع ذلك فإن من حق تلك العمالة أن تأخذ مهلة كافية لتصحيح أوضاعها وتعيد ترتيب أمورها، وخصوصا مع كفلائها الذين يهمهم تحصيل مقابل شهري للكفالة، في حين أن هناك عمالة متخلفة من مواسم الحج والعمرة لسنوات ماضية مخالفة لأنظمة الإقامة والعمل ومعرضة نفسها للعقاب الذي لا يتجاوز الترحيل إلى بلده، بل على حساب الدولة التي تتكفل بمعالجة أوضاع تلك العمالة، وهذا إجراء لا بد منه وهو متكرر حتى أصبح روتينا يوميا في إدارة الجوازات يبدأ بالقبض وينتهي بالترحيل.
ويبدو أن الإدارات الحكومية غلبت على أمرها من وجود المتخلفين من موسمي الحج والعمرة كل عام، ثم نشاط الاتجار بالتأشيرات الذي حول بالفعل بلادنا إلى ساحة مقصودة للعمل الحر، وأخيرا هناك التهريب للعمال ثم تكدس العمال من كل جنسية في موقع أو مواقع معينة وفي المدن الرئيسة وضواحيها حيث توجد فرص العمل، ولعل أشهر مواقع وجود العمال غير النظاميين البطحاء في وسط مدينة الرياض، وهو موقع حاز شهرة وصلت تلك الدول التي تصدر العمالة، فهو موقع للتجمع والتعارف وتبادل المعلومات والمصالح بين العمال من كل جنسية، وللسعوديين أيضا فرصة للحصول على الأيدي العاملة ونقلهم إلى مواقع العمل.
لقد تحولت البطحاء مع مرور الزمن إلى تجمع للعمال من جميع الأمم، وقامت حول هذا التجمع أعمال للبيع في مجال الغذاء والملابس وتأجير المساكن وتقديم الخدمات الأخرى، بل ملجأ لكل هارب من كفيله أو متهرب من رجال الأمن أو مطلوب للجوازات، والأخطر أن في البطحاء خدمات ذات طابع جنائي، فهناك ماهرون ومتخصصون في تزوير الإقامات والجوازات وآخرون يقدمون خدمات التخفي عن أعين الجهات الأمنية. ولأنا قبلنا هذا الوضع سنين عديدة ورأيناه طبيعيا فقد أصبح مع الوقت مألوفا، رغم أن هناك من الأخطار والمبررات ما يفرض التعامل مع البطحاء بما يتناسب مع خطورتها، فهي مصدر لا ينضب للجرائم بدءا من مخالفة أنظمة الإقامة والعمل وحتى التزوير والتزييف.
إن تعدد وتنوع المخالفات المتوقعة في حي البطحاء أدى إلى مشاركة أوسع نطاقا، فقد قادت الأمانة و15 بلدية فرعية برفقة المرور والدفاع المدني، الحملة التي كانت مفاجئة في توقيتها واتسمت بطابع الدهم لما يمكن أن تشكل أوكارا للجريمة المنظمة، وهي بعبارة أدق عملية كنس لهذا الحي الذي أصبح عنوانا ومكانا لكل ما هو ضد القانون والنظام، وحدث ولا حرج عن المخالفات الصحية فهناك باعة جائلون وبسطات ومخابز وبقالات معظمها غير مرخص وهي أولى بالحملات الرقابية المفاجئة، خصوصا أن أصحابها والعاملين فيها يشعرون بالأمان لأنهم بعيدون عن الأنظار، ويجدون حولهم من العملاء والزبائن والمستهلكين ما يكفي لتصريف منتجاتهم وخدماتهم.
وليس هناك موقف مسبق من أحد، فالعامل النظامي له حقوق وعليه واجبات وكذلك على كفيله عديد من الالتزامات المالية والإجرائية، ولكن هناك هدف واحد وهو توفير بيئة عمل أفضل وحماية الحقوق وضمان الوفاء بها دون إضرار بعامل أو كفيل، فالمصلحة العامة تقضي استبدال فوضى العمالة بالنظام ووضع الأمور في نصابها الصحيح، فليس مألوفا أن تكون هناك مواقع تقدم فيها خدمات الأيدي العاملة ومواقع أخرى للخادمات وسائقي المنازل، ويكون التعامل مع من لا تستطيع الرجوع إليه أو إلى من استقدمه، وفي حين أن مثل هذه الأيدي العاملة تريد أن تعمل مع من لا يسأل عن وضعها النظامي، وهو ما لم يعد مقبولا بأي حال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي