بنت حميدان: ليه كذا تقولين عن بابا؟
* أهلاً بكم في مقتطفات الجمعة رقم 479
***
* حافز الجمعة: تكتشف أن القلوبَ التي يمضّها الألمُ، والنفوسُ التي أشقاها التَوْقُ، وجارَ عليها الظلم.. هي قلوب طيبة ومتسامحة أيضا.
***
* لما قال الفيزيائي الأشهر ''ديباك جوبرا''، ويعتبر المرجع الأول في السلوكيات العاطفية والروحية في الغرب الآن: ''إن المحبين الطيبين لا يعلمون أنهم يقومون بمهمات تكاد تكون مستحيلة بتلقائية، فمعظم الناس من الصعب عليهم أن يحبوا أحدا، وتكون عندهم الكراهية أو الغيرة مردودا طبيعيا طيّعا بالنسبة لهم''. أنا أقرأ مثل غيري آلاف النصوص في مختلف المعارف، ولكن لا يكتسي النصُّ بقيمته الحقيقية اللامعة إلا عندما يتمثل أمامه مشهديا في الواقع، فيجد الذهنَ يسترجعه استدلالا وتفسيرا أمامه. كنت - أيضاً مثل غيري - قبل ليالٍ غارقا في متابعة وترقب طلب حبيبنا ''حميدان التركي'' لإطلاق سراحه المشروط، عاقدين الأيادي وقلوبنا تنبض بالدعاء قبل ألسنتنا.. إلا أن الظلمَ استمر والاستهانة بحقه كسجين - مع براءته - وكحقّه كإنسان. ولقد ضاعف قهري على الحكم الجائر، أنهم يقولون إنهم لا يأمنون إخراجه من سجنه السعودي لإكمال محكوميته، وهذا طعنٌ بالثقة في حكومة بلادي. ولو كنتُ دبلوماسيّا لاستدعيتُ السفيرَ الأمريكي وسألته: تعالوا! ماذا تقصدون؟ ألا نحترم نحن تعهداتنا؟ أتملكون علينا إثباتاً بخرق الوعود الدولية؟ على أي حال لله رأيٌ في أخينا حميدان لا نعلمه، وأنا أكيد أنه لمصلحته في النهاية. ثم وصلتني تغريدتان بالتويتر. واحدة هداها الله، وفي قمة معاناة الخبر الصاعق - على الأقل على عائلة أخينا حميدان - تتطوع بتلقائية الطبع وترد على إحدى بُنيَات حميدان وتقول لها: ''يستاهل أبوك واللي جاله، لأنه مجرم و..'' كلمة أخرى أعفيكم منها. ماذا ردت البنت التي يدور كل وجودها في عين دوامةِ الحزن والقهر ولظى الفقدان.. فقدان من هو أعزّ من لديها في كل الدنيا؟ وهنا تبدو القلوب طيبة مليئة بالطيبة التي لا أدري من أين تنبع بهذا الضوء. ردّت ابنةُ حميدان التي نشّأها فأحسن تنشئتها: ''ليه؟ ليه تقولين عن بابا كذا؟!'' ثم لم تضفْ كلمةً أخرى. مشهدٌ بالنسبة لي من أروع ما يشاهده الإنسانُ بالطيبةِ البشريّة في الحزنِ والعتاب الكسير. من تربّت هكذا فهي فتاةٌ حرّة ابنة أناسٍ أحرار!
***
* هاتفني الشابُ اللطيف عبد العزيز المنصور كي أحضر الثلاثاء الماضي صباحا حفل دائرة التنقيب والاستكشاف النفطي في ''أرامكو''، وكي ألقي كلمة لشباب القطاع. ولفتني أن الصديق مسفر الزهراني المسؤول عن قطاع التنقيب عن النفط والغاز بدا وكأنه يحضر عرسا لا حفلا نمطيا أو دوريا. ولم يقف لحظة والبسمة ثابتة في فمه متحدثا عن شبابه من السعوديين الذين يقودون الآن أهم نشاطات ''أرامكو''، أي هم من يساهمون في البحث والإيجاد لمادتيها الحيويتين النفط والغاز. الآن أولُ رعيلٍ سعودي من علماء الجيولوجيا في تفرعاتها يديرون العملَ الاستكشافي الأكثر تعقيدا في علوم الأرض بعد أن احتكرها الأمريكيون. ومررنا على منصات خمس توزع بها علماءٌ شبابٌ سعوديون، يقول لي الأخ ''مسفر'' أنهم يقفون بصف واحد مع عمالقة العالم بهذه الصناعة. وأفخر أن أرصع المقتطف هذا بأسمائهم، وهم المهندسون: أحمد الغامدي، تركي الرويلي، عبد الله الضبيب، والبطل لؤي إسماعيل الذي لم تمنعه إعاقة في السير من أن يكون أكثر جدية وانكبابا والتزاما عمليا، وعماد بوبشيت. ردّدتُ للشباب بكلمتي جملة Impress me أي أدهشوني. وكنتُ التفت لصديقي البارع جمال بن خالد الدبل رائد العلم الرياضي التطبيقي لما قال لي: ''سيدهشونك فعلا''. تماما هذا ما فعلوه!
***
* لا، هذه المرة صارت الأمور جادة، وعلى وزن عالمي. نطالب دوما بحل المشاكل الكبرى في وطننا، وسواء أكانت الحلول سهلة وليس هناك من يأخذها بجدية مسؤولة - كما يمكن أن يقول البعض، أو أنهم يعلمون بجدية ويخطئون - كما قد يقول بعض آخر.. ولكن تبقى المسائل الكبرى تبحث عن حل. وكنا نعالجها محليا بين أطراف عدة، أطراف تنكر تماما وجود المشاكل وأن كل ما في الأمر أننا محسودون، أو أنها ليست بظاهرة، أو التقليل من النسب الرائجة.. بينما الدفاع عن وجود مشكلة - حتى لو كانت مجهرية - لا يجدي، الأفضل أن تُحَل قبل أن تكون ظاهرة، وتزداد معدلاتها. الاعتراف بوجود مشكلة أيا كان سببها أول ما أسميه سيكولوجياً بشجاعة الحل. ''التايم'' الأمريكية الدولية تغنّت بتقريرٍ طويل في عددها للثالث من حزيران (يونيو) عما عنونته بِـ ''الفقر وعدم المساواة في أغنى دولة في العالم''. وترون التعارض البديعي في فقر وأغنى. نستطيع أن نمزق مجلة ''التايم''، ونستطيع منع بيعها في أسواقنا، ومقاطعتها كليا.. ولكن أسأل: هل هذا هو الحل؟ أم حلّ مشاكلنا الكبيرة بجدية وضمير واستشعار ''هائل'' بالمحاسبة، محاسبة قضائية مقننة لا تستثني أحدا؟.. بعد ذلك، ما يهمنا إن تكلم كلُّ العالم!
***
* والمهم: من لا يملك المالَ فهو فقيرٌ صفةَ، ومن يملك المال ولا يعرف كيف يتصرف به هو أشد فقرا.. بإرادته!