Author

حل أزمة الإسكان.. اتركوه لهم

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
ثبت أن أزمة الإسكان في السعودية وقف وراءها إلى أن أصبحت أحد أكبر التحديات التي يواجهها الاقتصاد والمجتمع عدد من الأسباب، تحدثت عنها وغيري سابقاً، لعله من المفيد إعادة ذكر أهمها باختصار: (1) سوء التخطيط والإعداد، وهذا سبب ارتبط بأكثر من قضية تنموية لدينا. أسهم بدوره في إلغاء المواءمة بين النمو السكاني وزيادة عدد الأُسر والطلب على الوحدات السكنية من جانب، ومن جانبٍ آخر تأخر نمو العرض من الوحدات السكنية، واستمرت الفجوة تتسع طوال السنوات الأخيرة إلى أن وصلنا إلى هذه المرحلة المعقدة. (2) فاقم من خطورة هذه الفجوة أن جانب العرض من الأراضي وقع ضحية سوء التوزيع (المنح)، وعاماً بعد عام وجدنا أن القنوات الضيقة جداً لتمرير تلك الأراضي من الدولة إلى المواطنين انسدت تماماً بقلة من المتنفذين، أشعل قيمتها تالياً قلة أخرى من التجار ومجموعات من المضاربين، لتتحول تلك الأراضي إلى مجرد (سلع) يتم تدوير الأموال عليها، وإزاء شحّ قنوات الاستثمار البديلة، تدافعت الأموال نحو إضرام النار في الهشيم، امتصت جزءاً كبيراً من سيولة الاقتصاد الوطني، تمَّ توظيفها في مضارباتٍ ومزايدات أشبه بصالات القمار، ما كان له من الآثار المدمرة في الاقتصاد والمجتمع التي أصبحت معلومة ومشاهدة على أرض الواقع. (3) أفضى الجزء الأخير من السبب السابق إلى تفشي المساهمات العقارية دون أي ضوابط، وجمعت الأموال (وفقاً لبعض التقديرات؛ تجاوزت 0.5 تريليون ريال)، ولعل أخطر ما خلّفته تلك المساهمات - دع عنك دورها الرئيس في رفع مستويات الأسعار- أنها حينما تعثر أغلبها ووصلت إلى طريقٍ مسدود لسنوات عدة، تسببت في تقليص المعروض من الأراضي الصالحة للسكن بمئات الملايين من الأمتار، الذي بدوره دفع الأسعار إلى مزيدٍ من الارتفاع المجنون. (4) على جانب الطلب؛ أفضى ضعف مستويات الدخل بالنسبة إلى الأفراد، وضعف قنوات التمويل من المصارف المحلية، إلى تعثّر طلبات الأفراد! ومع استدامة تلك الحال، زاد تكدّس أعدادهم عند بوابات السوق شبه المغلقة، حتى فاق عدهم وفقاً لآخر الإحصاءات سقف مليوني مواطن! الحلول ذات المآرب الأخرى؛ تريد عدم المساس بالأسباب الثلاثة الأولى أعلاه، وأن يتم المحافظة على مستويات الأسعار التي وصلنا إليها، ولا تفتأ تروّج صباح مساء لقوة ومتانة السوق العقارية على ما فيها من عللٍ وتشوهاتٍ ليس ما تقدّم ذكره أكثر من قطرة ماء في بحرٍ عظيم! وعليه؛ تركّز تلك (المآرب الأخرى) على ضرورة نقل ملكيات تلك الأراضي والمتوافر من العقارات المتضخمة القيمة إلى الأفراد .. لكن كيف؟! بالإقراض طويل الأجل والترويج المضحك لما تتمتع به المصارف ومؤسسات التمويل المحلية من وفوراتٍ بالسيولة، في تجاهلٍ تامٍ أن مجرد تدخل الدولة على جانب العرض من شأنه أن يحل الأزمة المفتعلة، ويقضي على الأسباب الثلاثة المذكورة أعلاه، ما سيتسبب في تراجع الأسعار التي ارتفعت دون مبرر! إزاء تلك الحلول المكشوفة المآرب، تكون الجهات التي وقفت وراء تلك الارتفاعات المجنونة بالسوق العقارية قد قبضت ثمن ما فعلت، وتكون المصارف ومؤسسات التمويل قد نجحت في استثمار فوائض السيولة التي لديها بالضمانات اللازمة، والضحية الوحيدة تحت مظلّة هذه الحلول هي نفسها الضحية السابقة لما قبلها؛ إنهم الأفراد فقط! الدولة ممثلة في وزارة الإسكان، دخلت بجدية على المعادلة المختلة تماماً للسوق العقارية، لذا: (1) مجرد دخولها بما يفوق تقريباً ثلاثة أضعاف ما تمتلكه قوى العرض المحتكرة إلى وقتٍ قريب! سيكون سبباً كافياً وجارفاً لتصحيح مستويات الأسعار المرتفعة بصورتها المجنونة الراهنة! (2) توجّه الدولة الذي أعلنه صراحةً وزير الإسكان نحو فرض رسومٍ على الأراضي البيضاء، إضافةً إلى رسوم أخرى على الخدمات، وحينما نعلم أن حتى ما بيد كبار ملاك تلك الأراضي سيتعرّض لتلك الرسوم، ومع استغناء الدولة حتى عن شرائها منهم، فهذا سببٌ آخر سيسقط قيمها المبالغ فيها بأيديهم! إذاً؛ لا يوجد أي داعٍ لإلصاق فاتورة (تضخم) أسعار الأراضي والعقارات بالأفراد، ولا داعي أبداً لأن يتورّط الأفراد في قروضٍ مصرفية مرتفعة لأجل شرائها. حينما انخفض طلب السكان في كندا العام الماضي على الوحدات الإسكانية من 27 في المائة إلى 15 في المائة (أدنى مستوى للطلب فيها خلال 20 عاماً مضت)، تراجعت الأسعار خلال عامٍ واحد فقط بنحو 15 في المائة، ووفقاً للتجربة الكندية القائمة الآن، فالأسعار كما تشير التقارير معرّضة لمزيد من التراجعات.. أشير إلى هذه التجربة الحية الآن، ليستفيد منها أفراد المجتمع السعودي! إذ إن التفاتهم وترقبهم إلى ما ستقوم به الدولة ممثلةً في وزارة الإسكان، وإحجامهم عن التورّط في: (1) شراء أراض وعقارات متضخمة جداً. و(2) قروض طويلة الأجل ستنهكهم ما بقي من أعمارهم. هو القرار الرشيد الذي يجب أن يتخذوه من الآن! يجب أن تتم توعية الأفراد وتنبيههم إلى أن ما هو متاح أمامك اليوم بأكثر من 1.5 مليون ريال من السوق المغلقة لدى كبار الملاك، بإمكانك امتلاك ما هو أفضل منه بوضع يدك مع وزارة الإسكان بما يُتوقع ألا تزيد قيمته على 0.5 مليون ريال (أي بانخفاض يناهز 70 في المائة)! إننا نمر في الوقت الراهن عبر ما يشبه عنق الزجاجة، نحو حل أزمة الإسكان نتيجة التوجّه الجاد للدولة، وبإمكان الأفراد الاستفادة من هذه التطورات الإيجابية إذا ما وضعوا أيديهم بيد وزارة الإسكان، صبروا سنوات طويلة أفلا يصبرون لما قد لا يتجاوز ثلاث سنوات فقط؟! بل إن وضعهم ثقتهم بالكامل في وزارة الإسكان، وترجمة تلك الثقة على أرض الواقع عبر امتناعهم عن الشراء بتلك الأسعار المبالغ فيها، من شأنه أن يقلّص حتى من تلك الفترة لأقل من عام مقبل! قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حينما اشتكى له الناس غلاء اللحم: ''أرخصوه أنتم، فقالوا: نحن نشتكي غلاء السعر واللحم عند الجزارين ونحن أصحاب الحاجة فتقول: أرخصوه أنتم؟ وهل نملكه حتى نرخصه؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا؟ فرد قائلاً: اتركوه لهم''.
إنشرها