في الاحوال المدنية .. لاتصعد للدور الثاني!

في الاحوال المدنية .. لاتصعد للدور الثاني!

قطعت العديد من الجهات الحكومية خطوات متسارعة نحو تطبيق الحكومة الالكترونية التي تهتم بتسخير تقنيات المعلومات والاتصالات، لتسهيل وتسريع التعاملات و لتوفير خدمات حكومية مميزة.
وتعتبر وكالة الاحوال المدنية احدى الجهات التي لها جهود مميزة في هذا المجال ادت الى تحقيق نقلة النوعية في عملية اصدار وثائق الهوية التي اصبحت تتميز بالجودة والدقة والتنظيم وحسن التعامل.
وخلال الفترة الماضية قمت بمراجعة وكالة الاحوال بهدف تغيير اسم احد افراد العائلة، وكانت هذه فرصة للتعرف على جانب يخفى علي ويمكن ان اسميه بالجانب الآخر "الغير مضيء" للقمر.
في البداية دخلت في موقع الاحوال الالكتروني لمعرفة الشروط والمتطلبات اللازمة ولكن للأسف لم اجد أي معلومات مفيدة ، ثم ابحرت في عالم النت بحثا عن أي معلومات ذات علاقة ولم اجد ما يفيد. ولذا قمت شخصيا بمراجعة مكتب الاحوال في المروج للسؤال والاستفسار فأفادوني بوجوب مراجعة المقر الرئيسي في الوشم. في اليوم التالي مضيت عبر الشوارع المزدحمة حتى وصلت للمقر الرئيسي للأحوال.
دلفت الى المبنى ولم اجد احدا في الاستقبال، صادفت أحد رجال الامن وسألته فأفادني بالذهاب الى الدور العلوي الى قسم الوقوعات، هذا المكتب الذي سيحتضن لاحقا معظم جوانب الاثارة في حكايتي، صعدت مع الدرج –حيث لامصاعد هنا- وبعد جولة سريعة عثرت على القسم المطلوب. دخلت اليه وفوجئت حقيقة بحكاية من الفوضى ابطالها الموظفون والمراجعون، لايوجد لوحات ارشادية ولاموظف مختص لتوجيه المراجعين ولاطابور للمراجعين ولاتوزيع للأرقام ، ما رأيته حقيقة عاد بي للوراء خمسة عشر عاما حينما ذهبت لحراج ابن قاسم للمرة الاولى والاخيرة.
سالت أحد الموظفين عن المطلوب لمثل حالتي فأفادني بإحضار (صورة شخصية، معروض!، صورة بطاقة،...) انطلقت الى خارج المبنى وعدت سريعا وفي يدي جميع المتطلبات، وجهني الموظف الى موظف آخر فاتجهت اليه ووجدته مشغولا بمكالمة طويلة على الجوال ، بعد ان فرغ من مكالمته اعطيته الاوراق فنظر اليها وكتب عليها ملاحظة (موعد المراجعة في 4 ذي الحجة) قلت له الا يمكن البدء في تنفيذ الاجراءات المطلوبة اليوم قال لا انا مشغول جدا واشار الى كومة من الملفات الملقاة عشوائيا بجانبه. سرني ان الموعد المعطى يوافق اجازة عيد الاضحى وقدرت الجهد المبذول من الاحوال لخدمة المراجع في وقت اجازة العيد.
في ذلك اليوم الموعود سرت الى الاحوال وانا في غاية النشاط والحيوية. بعد ان وصلت للمبنى وجدته مغلقا ورأيت احد المراجعين بقرب المبنى وقال لي يبدوا اننا وقعنا في ورطة مع هذا الموظف الذي اعطانا موعدا في هذا التاريخ الخاطئ حيث لا احد بالمبنى!.
عدت بعد انقضاء اجازة العيد واتجهت الى الموظف فسمعت نقاشا بينه وبين احد المراجعين الذين كانوا ضحية لمواعيده الخاطئة (كان موعده في 5/12) فعلمت ان الضحايا ليسوا بالعشرات بل ربما بالمئات، اعطيت الموظف اوراقي وسالته عن كيفية اعطائي لهذا الموعد الخاطئ، تهرب من الاجابة وتعذر بمشاغل الوكالة لإصدار تصاريح الحج اثناء إجازة العيد!!.
دقيقتين او ثلاث تقريبا امضاهما الموظف في تعبئة احد النماذج ثم قال لي اذهب لقسم الارشيف واعطهم هذه الورقة وراجعنا بعدين. حقيقة استغربت جدا من هذه الاجراءات البائسة، اذ ماضر هذا الموظف لو قام في مراجعتي الاولى -قبل اكثر من شهر- باقتطاع دقيقتين من مكالمته الهاتفية المطولة وتكرم بإعطائي هذه الورقة وتحويلي لقسم الارشيف بشكل مباشر من اول مراجعة بدلا من تكبيدي وتكبيد الاف المراجعين لآلاف المشاوير الغير مبررة .
نزلت للأرشيف واعطيتهم الورقة فقالوا راجعنا بعد اسبوع. حضرت بعد اسبوع وفوجئت بالموظف يعطيني ظرفا كبيرا يحتوي على اصل ملفي في الاحوال ويقول لي ارجع مرة اخرى وسلمه لقسم الوقوعات. حقيقة فوجئت بهذا الاجراء التقليدي وغير الآمن، خلاصة القول : انا الآن اعمل مراسلا متنقلا بين اقسام الاحوال المختلفة وفي يدي ملفي الاصلي" الذي لا يوجد منه سوى نسخة واحدة" لا ادري ماذا يترتب على تلفها او فقدانها!!.
ذهبت لقسم الوقوعات عند نفس الموظف "ما غيره" واعطيته الملف فأخذه مني وقال لي راجع الصادر بعد اسبوعين. ولم يعطيني اي ايصال للمتابعة او على الاقل لإثبات أنه قام باستلام ملفي، وبالتالي لو فقد الملف لدى هذا القسم فلا استبعد ابدا ان يتم اتهامي بانني المسئول عن اضاعة ملفي. كان هذا مجرد سيناريو سريع مر في ذهني وتجاهلته على الفور!.
حضرت للمرة الخامسة بعد اسبوعين واتجهت لقسم الصادر وبعد البحث قال لي الموظف لم تأتينا معاملتك الى ولا يوجد أي معلومات عنها في النظام! ، ارجع وتأكد من قسم الوقوعات.
عدت الى قسم الوقوعات وافدتهم بموضوعي فقال لي الموظف "ما غيره" كل المعاملات السابقة ارسلناها وانتظر حتى يأتي زميلي ويبحث في الجهاز. حضر الموظف الثاني وبعد أن بحث في النظام أتضح له عدم وجود أي معلومة عن المعاملة. يبدو ان السيناريو التخيلي بضياع اصل المعاملة واتهامي بذلك على وشك التحقق وهو ماقد يدخلني في دوامة ليس لها اول ولا آخر كل هذا بسبب هذه الاجراءات الروتينية البائسة. المشكلة انه لايوجد لدي أي ايصال او اثبات بانني سلمت الملف للموظف المختص، بل لايوجد لدي اثبات اصلا بانه لدي أي معاملة او مراجعة في الاحوال.
بدأ الموظف بالبحث عن المعاملة في جميع الادراج والدواليب الموجودة ، يفتح درجا ويغلق الآخر، ومن فضل الله علي ان عثر عليها بعد جهد جهيد وبعد الاطلاع عليها قال لي معاملتك جديدة ويجب ان تحال الى اللجنة وليس الصادر، إذن فالموظف الأول (وبعد أن اخطأ في اعطائي موعد خاطئ يصادف اجازة العيد) أخطأ للمرة الثانية ووجهني مسبقا لقسم الصادر في حين ان المعاملة كان من المفترض ان تتجه الى اللجنة المختصة داخل الاحوال!!. لا ادري كم مرة سيستمر هذا الموظف في ارتكاب الأخطاء.
بدأ الموظف يدخل بيانات المعاملة في النظام، إذن وبعد شهرين من المراجعات سيكون هناك إثبات مادي لوجود معاملة لي في الأحوال!. اثناء ذلك، كنت انظر لوجوه المراجعين، هذا يرفع صوته على احد الموظفين ويتهمه بالتقصير في خدمته، وهذا رجل طاعن في السن وعمره يقارب الثمانين وهو يدور ويتردد بين الموظفين يبحث عمن يوجهه بشكل صحيح، وهذان اثنان يتبادلان الحديث وهما في غاية الانزعاج والاستياء، يبدو أن لكل منهم تجربة حزينة مع الاحوال!.
أثناء انتظاري تجاذبت الحديث مع الشخص الذي بجانبي ، وقال لي معلومة مهمة "بداية التعب والمشاوير تبدا بعد انتهاء معاملتك من اللجنة المختصة"، لاحول ولا قوة الا بالله العظيم، اذن رغم كل ما جرى لي فلم يبدا التعب الحقيقي حتى الآن!!. اعطاني الموظف المعاملة وأحالني الى موظف آخر فأخذها مني واعطاني ايصالا مسجلا في الحاسب وقال لي المعاملة ستحال للجنة المختصة بالبت في الطلبات، راجعهم غدا.
بعد يومين ذهبت لمقر الاحوال – للمرة السادسة - وبحثت عن مقر اللجنة حتى عثرت عليه بعد عناء –كالعادة-. وبالطبع لا يوجد موظف استقبال –كالعادة- ، وعندما حضر احد الموظفين وقرأ ايصال المراجعة قال لي "بعد شهر" قلت له مستغربا "نعم!" قال لي "تعال بعد شهر" قلت له ليت زميلك السابق قال لي راجع اللجنة بعد شهر بدلا من ان يقول لي راجع اللجنة غدا ثم اتكلف عناء الحضور والخوض في زحام الرياض فقط لكي اتلقى منك هذه الكلمة!. عدت وانا في غاية الاستياء الى مقر عملي، وخلال الطريق كنت مترددا بين المضي قدما واكمال بقية اجراءات المعاملة او التوقف عن ذلك وخصوصا بعدما علمت سابقا من احد المراجعين أنني بعد كل هذا التردد وهذا العناء لا ازال أخطو خطواتي الاولى لإنجاز المعاملة.
بعد عدة اسابيع ذهبت الى الاحوال للمرة السابعة وراجعت اللجنة المختصة ، فقال لي الموظف لم تنته المعاملة الى الآن، رأيت بعض ارقام الهواتف المكتوبة بهدف خدمة المراجعين، نقلتها لمذكرتي واتصلت عليهم لاحقا مرارا وتكرارا ، ولم يردوا علي ولو مرة واحدة.
والآن مضت عدة أشهر على آخر مراجعة لي للأحوال، وأنا افكر جديا بالاكتفاء بما واجهني من مشقة وايقاف متابعة بقية الاجراءات لتغيير الاسم. انا موظف حكومي، لدي التزامات ومهام كثيرة وجهة عملي دقيقة جدا في متابعة الحضور والالتزام بالدوام واداء العمل. وقد تأثر ذلك سلبيا وبشكل واضح خلال الفترة الماضية بسبب كثرة خروجي لمراجعة الاحوال.
لقد قدمت الاحوال المدنية مثالا يحتذى فيما يتعلق بإجراءات اصدار وتجديد بطاقات الهوية، ولكن ومن خلال معاناتي السابقة، يتضح ان بعض الاقسام الاخرى لازالت تسير بنفس الطريقة القديمة المبنية على اجراءات بدائية تهدر الوقت وتزعج المراجع وتتسبب في وجود ثغرات امنية خطيرة. ان من حقنا كمواطنين ان تلتفت الاحوال المدنية لتطوير وتحسين واعادة هندسة الاجراءات في اقسامها الموجودة في الدور الثاني وخصوصا قسمي الوقوعات والتجنيس.
وختاما فإنني كتبت هذا المقال وقصدت عمدا اغفال اسماء الموظفين المهملين والمخطئين لان هدفي الاساسي ليس انتقاد اشخاص بعينهم وانما هدفي توجيه رسالة لسعادة وكيل الاحوال -وهو المسئول الذي ماسمعنا عنه الا خيرا – بان يلتفتوا ولو قليلا ويوجهوا ولو جزءا يسيرا من جهودهم – بالتعاون مع مركز المعلومات الوطني الذي يمثل الذراع التقني لوزارة الداخلية- نحو تحسين وتطوير العمل في الاقسام الموجود تحديدا في الدور الثاني من مقر الاحوال، وريثما يتحقق ما آمله –بمشيئة الله- فإنني اقول لكل مراجع لمقر الأحوال المدنية في الوشم "لا تصعد للدور الثاني" لئلا تشاهد الجانب "غير المضئ" للقمر.

الأكثر قراءة