من الصين إلى الأحساء

ينتمي فيروس كورونا إلى إحدى العوائل الفيروسية الكبيرة المعروفة باسم كورونا فيريدي Coronaviridae، حيث إن المادة الوراثيه لهذا الفيروس هي عبارة عن خيط مفرد موجب القطبية RNA . و(كورونا) كلمة لاتينية تعني التاج Crown، حيث إن شكل الدقيقة الفيروسية يأخذ شكل التاج عند العرض بالمجهر الإلكتروني ويراوح طول قطر الدقيقة الفيروسية بين 120- 160 نانو ميتر، وحجم المادة الوراثية يراوح بين 27- 32 ألف قاعدة نيتروجينية. تم اكتشاف فيروس كورونا في عام 1960م.
وعلى الرغم من أن هذه الفيروسات تصيب الجهاز التنفسي العلوي وقناة المعدة والأمعاء في الحيوانات والطيور، إلا أنه حديثا تم اكتشاف خمسة فيروسات ضمن هذه العائلة تصيب الإنسان مثل فيروس سارس. و تسبب فيروسات كورونا من 10 إلى 15 في المائة من أمراض البرد الشائعة في العالم خصوصا في أشهر الشتاء.
وفي عام 2003 م ظهر فيروس سارس في مدينة Hong Kong الصينية، وسجل الوباء 8422 حالة إصابة، منها 916 وفاة حول العالم. وقبل ظهور هذا الفيروس كان علماء الفيروسات مدركين وجود فيروسين فقط من هذه العائلة تصيب الإنسان هما HCoV-229E وHCoV-OC43). في عام 2004م تم اكتشاف سلالة جديدة سميت باسم NL63. وفي عام 2005 م سجلت مجموعة بحثية في جامعةHong Kong اكتشاف سلالة خامسة سميت باسم HKU1. وفي سبتمبر 2012 م قامت منظمة الصحة العالمية WHO بإصدار تحذيرعالمي عن ظهور نوع جديد من فيروسات كورونا في كل من المملكة وقطر، حيث تمت إصابة شخصين . دلت النتائج الأولية في عدة مختبرات عالمية على أن فيروس كورونا الجديد يشبه إلى حد ما فيروس سارس، ولكنه يختلف عن الأنواع الأخرى. أيضا لاحظ العلماء أن الفيروس لم ينتشر بين المشرفين على الحالتين في المستشفيات حتى الآن مما قد يبعث الاطمئنان إن بقي الحال كماهو، لكن عندما تفشى مرض سارس في الصين انتقل من المرضى إلى العاملين في المستشفيات مما زاد تفاقم الوضع.
وظهرت أعراض المرض يوم 3 سبتمبر 2012م على مريض قطري الجنسية (49 سنة) بعد عدة أيام من زيارته للمملكة، وتم إرساله بالإخلاء الطبي إلى بريطانيا وهو في حالة حرجة. أما المواطن السعودي (60 سنة) فقد توفي في شهر يونيو من نفسه العام. الجدير بالذكر أن كلتا الحالتين حسب ما ذكرت عدة مصادركانت تظهر الأعراض نفسها التي كانت تتمثل في التهاب الجهاز التنفسي الحاد وهو ما تظهره الإصابة بفيروسات الكرونا بشكل عام، ولكن من المثير والمخيف أن هذا الفيروس الجديد أظهر خاصية جديدة في قدرته على إصابة الكلى مما أدى إلى الفشل الكلوي في كلا المصابين، وأثبتت تحاليل قراءة تسلسل الحامض النووي لكلا العزلتين تطابقهما بنسبة 99,5 في المائة.
وخلال أبريل الماضي سجلت 13 حالة مصابة بفيروس كورونا في المنطقة الشرقية من المملكة توفي منهم سبعة أشخاص تراوح أعمارهم بين 24-94 سنة. ونقلا عن Saudi Gazette أن تلوث جهاز يعرف بـ Dialysis كان أحد أسباب انتشار المرض، إضافة إلى عدم معرفة العاملين بالمستشفى كيفية التعامل مع الموقف للحد من اتتشار الفيروس.
في تصوري الشخصي هناك بعض الأسئلة التي قد تساعد الإجابة عليها في فهم طبيعة الوباء: هل الشخصان المصابان سبق أن التقيا قبل ظهور المرض؟ وأين تم اللقاء؟ هل خارج دولتيهما؟ هل كلاهما التقيا الشخص نفسه الناقل للمرض، إن وجد؟ هل هي مجرد صدفة بحيث تظهر حالة واحدة في قطر، والأخرى في السعودية؟. هل ظهور الحالات الأخيرة في المنطقة الشرقية له علاقة من الناحية الجغرافية بالقرب من دولة قطر؟.
وبالنسبة لمصادر الفيروس فإنه حتى الآن لم يعرف مصدر هذه السلالة الفيروسية الجديدة لكن هناك العديد من الاحتمالات:
قد يكون أحد فيروسات كورونا التي تصيب الإنسان السابقة الذكر حدث له تطفير، وبالتالي أصبحت السلالة الجديدة المطفرة قادرة على إصابة الكلى وهي الخاصية غير الموجودة في فيروسات كورونا الأخرى.
نقلا عن بعض الصحف البريطانية، فإن الفيروس يشبه فيروس سارس وهذا أقوى احتمال في تصوري.
أو قد يكون الفيروس أحد فيروسات كورونا التي تصيب الحيوان في الأصل ونتيجة لإصابة الإنسان به أصبح الفيروس تحت ضغط مما أدى إلى تكيفه، وأصبح الفيروس قادرا على إصابة الإنسان، وبالتالي قدراته الإضافية تمثلت في القدرة على إصابة خلايا الكلى بدلا من إصابة الجهاز التنفسي فقط.
إصابة الإنسان بهذه الفيروسات في العادة تؤدي إلى التهاب قناة التنفس العلوية، والتهاب المعدة والأمعاء، وإسهال، والعطاس، والكحة، وإنسداد الجيوب الأنفية، وإفرازات مخاطية من الأنف، والتهاب الدماغ. وتؤدي هذه الفيروسات أيضا إلى إصابة حادة في الجهاز التنفسي السفلي، والالتهاب الرئوي في الأجنة وكبار السن، وكذلك المثبطين مناعيا.
وتحدث الإصابة نتيجة استنشاق الرذاذ التنفسي من المريض، أو عن طريق التلوث البرازي عن طريق الفم أو عن طريق الأسطح الملوثة، مثل المخدات (الوسادات)، والألحفة (الشراشف). وحضانة الفيروس تراوح بين يومين إلى أربعة أيام ويمكن للفيروس الاحتفاظ بقدرته على الإمراضي لمدة ستة أيام في بيئة سائلة، وثلاث ساعات على الأسطح الجافة، ويمكن الكشف عن الفيروس بالعزل، أو بالمجهر الإلكتروني، أو بالاختبارات المصلية، أو عبر تقنية PCR.
وفيما يتعلق بالعلاج فإنه لا يوجد علاج نوعي للفيروس. وتعد الأدوية المستخدمة مساندة فقط، وتهدف في الغالب إلى خفض درجة حرارة المريض Antipyretics، مع استخدام الوسائل المدعمة للتنفس. على الرغم من استخدام عدة علاجات لعلاج المصابين بفيروس سارس، مثلKaletra, ibavirin and corticosteroids إلا أن لبعضها تأثيرات جانبية، ولايوجد لقاح لهذا الفيروس حتى الاّن.
ويستطيع الإنسان الوقاية من الإصابة بهذا الفيروس عبر تجنب رذاذ المريض أثناء العطس، عدم ملامسة الأسطح الملوثة،
عدم استخدام الأغراض الشخصية للمريض، مثل المخدات والألحفة، غسل اليدين جيدا باستخدام الصابون. وارتداء الكمامات الواقية في الأماكن المزدحمة.
هناك عاملان رئيسان يعود إليهما زيادة احتمالية ظهور فيروس كورونا جديد من حين إلى آخر:
1- معدلات التطفير في هذا النوع من الفيروسات عالية جدا نظرا لافتقار إنزيم التكاثر في هذه الفيروسات إلى خاصية تصحيح الأخطاء Proof-reading في تسلسل القواعد النيتروجينية أثناء التكاثر.
2- هناك ظاهرة وراثية تعرف باسم معاودة الارتباط Recombination تؤدي إلى دمج وارتباط جزء من جين معين مع جزء من جين آخرأثناء تكاثر الفيروس مما يؤدي إلى ظهور سلالة فيروسية لها خاصية إمراضية جديدة.
إضافة إلى السببين السابقين، هناك العديد من العوامل التي تؤخذ في الحسبان كعوامل محفزة لظهور سلالة فيروسية جديدة مثل: سفر الإنسان مسافات بعيدة والتنقل بين البلدان، ونقل المواشي من البلدان البعيدة، وقطع الغابات، وتغير الظروف المناخية.
ونأخذ هنا على سبيل المثال تأثير تغير المناخ في إنتاج سلالة فيروسية جديدة وذلك كما حدث في عام 1990م في جنوب شرق الولايات المتحدة حيث أدت الظاهرة المعروفة باسم النينو (ظاهرة مناخية تحدث بين كل 3-5 أعوام بها يتغير اتجاة الرياح في المحيط الهادي، وتؤثر في الطقس في كل العالم)، فقد أدى تغير المناخ وزيادة هطول الأمطار، إضافة إلى وفرة النفايات التي تتغذى عليها القوارض، مثل الفئران إلى زيادة أعدادها وبالتالي زيادة نسبة تعرض الإنسان للفئران. وساهم ذلك في انتقال فيروس Hantavirus من الفئران إلى الإنسان. وكمثال على مساهمة أنشطة الإنسان في زيادة احتمالية ظهور سلالة فيروسية جديدة، ما يقوم به الإنسان عند قطع الغابات فمثلا في أواخر عام 1990م في كل من أستراليا وماليزيا أدى قطع الغابات إلى هجرة الخفافيش المصابة بفيروس Hendra، وفيروس Nepha، إلى مناطق التجمعات السكانية وانتقال الفيروس إلى الحيوانات ومن ثم إلى الإنسان.إذن يمكن القول إنه نتيجة إلى قدرة الفيروسات وخصوصا التي مادتها الوراثية هي RNA على التطفير المستمر، ونتيجة لزيادة احتمالية حدوث ظاهرة معاودة الارتباط بالمادة الوراثية الفيروسية وتحت الضغوط البيئية الطبيعية، ونتيجة لنشاطات الإنسان المختلفة أصبح ظهور سلالات فيروسية جديدة أكثر احتمالا وأمرا متوقعا. وبخصوص ما إذا كان كورونا هو فيروس الإنفلونزا، ففي الحقيقة إني قرأت بعض تصريحات مسؤولين في الصحة في بعض الدول العربية المجاورة يؤكدون أن فيروس كورونا ناتج من فيروس الإنفلونزا. ولكن يستحيل ذلك من الناحية العلمية، وهذا الكلام لايمت للحقيقة بصلة، وفيروس الإنفلونزا ينتمي لعائلة فيروسية مختلفة، وربما هناك وجه شبه في الأعراض فقط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي