«رئيس سعودي».. ِلمَ لا؟

ها قد انتهت الانتخابات الآسيوية وحان وقت قراءة نتائجها ودلالاتها وأبعادها المستقبلية بهدوء وتمعّن وتعقّل، بعيداً عن العاطفة وعن سرابها الخادع. وصل الشيخ سلمان بن إبراهيم إلى كرسي رئاسة الاتحاد الآسيوي لكرة القدم بأغلبية ساحقة، وأثبت الرئيس الجديد بلغة الأرقام التي لا تكذب أبداً أنه رجل آسيا المفضّل، وأن معسكره الانتخابي يسيطر وبشكل شبه مطلق على أروقة القرار داخل الاتحادات الآسيوية. أمر آخر أثبتته نتائج الانتخابات الأخيرة هو تغيّر المزاج العام في آسيا وظهور رغبة آسيوية صارخة في إزاجة الوجوه القديمة المرتبطة بالرئيس الأسبق محمد بن همام، والإعداد لمشهد آسيوي جديد يخلو من "الحرس القديم" وممثليه الذين لم يعودوا موضع ترحيب لا على الصعيد القاري، ولا على الصعيد الدولي كذلك، ورسالة جوزيف بلاتر شديدة اللهجة التي أرسلها إلى الاتحادات الآسيوية عشية انعقاد "الكونجرس" الآسيوي أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أو الاجتهاد حرص المجتمع الكروي الدولي على إقصاء كل من ارتبط اسمه بشكل مباشر أو غير مباشر بالعهد السابق.
خسر يوسف السركال لأنه كان يقف على مسافة بعيدة كل البعد عن واقع الأحداث الجارية على الساحة الانتخابية، فمن ذا الذي يبرم تحالفاً مع رجل منتمِ إلى الماضي كما فعل السركال؟! وانسحب د. حافظ المدلج من السباق لأنه دخل ساحة المعركة بظهر مكشوف حاملاً بيده غصن الزيتون، وكنتيجة حتمية لذلك، فشل "رئيس لجنة التسويق" في التسويق لحلمه "التوافقي" الوردي الذي تصعب ترجمته إلى واقع ملموس على الأراضي الآسيوية المتشققة بفعل الصراع المحتدم على الزعامة القارية (...)، كما برزت في الآونة الأخيرة بوادر مشروع سعودي بطرح مرشح منافس على كرسي رئاسة الاتحاد الآسيوي في الدورة الانتخابية القادمة، أي بعد أقل من عامين من اليوم. رئيس سعودي.. لِمَ لا؟! فالمنافسة على منصب الرئاسة هي حق مشروع لكل اتحاد عضو في المنظمة القارية، والسعودية تمتلك من المقومات البشرية والمادية ما يمكّنها من تقديم مرشحين مؤهلين لتقلّد أهم المناصب الرياضية على المستويين، القاري والدولي. ولكن، ما الأهداف التي تخطط السعودية لتحقيقها من وراء هذا المشروع الانتخابي؟ وما الفوائد التي يمكن للسعودية أن تجنيها في حال جلوس مرشحها المرتقب على كرسي الرئاسة؟
كي نتمكن من استقراء المستقبل القريب بشكل موضوعي، يجب علينا أولاً أن نستخرج العبر من الماضي والحاضر، ثم نستقرئ المستقبل بناءً على هذا التصور واستناداً إلى حقيقة ما يجري على الأرض، ويكفي لأي مستقرئ أن يكون حاصلاً على تقدير (مقبول) في مادة الرياضيات حتى تتسنى له معرفة أن حصول الشيخ سلمان على 33 صوتا من أصل 46 صوتا بنسبة 72 في المائة من مجموع الكتلة التصويتية في "الكونجرس" الآسيوي يعني أنه فاز بأغلبية كاسحة، والملم ولو بأبجديات الانتخابات يعرف أن فوز مرشح ما بأغلبية كاسحة في أي ممارسة ديمقراطية يعني استحالة تشكيل تيار معارض، وبالتالي يؤدي ذلك إلى انصهار كتلة الأقلية المعارضة في كتلة الأغلبية الموالية للمرشح الفائز بالانتخابات. على ضوء ما تقدم يستنتج قارئ هذه السطور أن على كل راغب في الحصول على منصب آسيوي في المستقبل أن يجلس أولاً على طاولة المفاوضات مع أركان كتلة "الأغلبية" الآسيوية التي يتزعمها الشيخ أحمد الفهد، كإجراء يسبق إعلان العزم على الترشح، وإلا، فإن نتيجة أي "مغامرة انتخابية" مستقبلية وفقاً للمعطيات الحالية لن تكون مغايرة للنتيجة التي أفرزتها صناديق كوالالمبور يوم الخميس الماضي. فلماذا الاستعجال إذن؟
تشير المؤشرات الانتخابية في آسيا وبشكل شبه مؤكد إلى أن الرئيس الحالي قادر على نيل ثقة الاتحادات المحلية في عام 2015 والتمديد لفترة رئاسية ثانية تمتد لأربعة أعوام إضافية. وعند الحديث عن الدورة الانتخابية القادمة للاتحاد الآسيوي، لا يمكن إغفال تزامنها مع انتخابات "فيفا" الرئاسية وما يترتب على ذلك من آثار، فمن البدهي أن الأطراف الدولية قد بدأت من الآن بالتنسيق مع الرئيس الجديد للاتحاد الآسيوي حول الترتيبات الإعدادية للجولة الانتخابية الدولية، ما يعني أن مصالح بلاتر قد ارتبطت بحكم الأمر الواقع مع استمرار الشيخ سلمان في منصب الرئاسة كشرط لحصول بلاتر على الأصوات الآسيوية الضامنة لاستمراره في رئاسة "فيفا" لفترة رئاسية ثالثة. وبناءً على ما سبق، فإن أي محاولة لزحزحة "آل خليفة" من منصبه ستلقى رفضاً دولياً فورياً، إذ إن حساسية المرحلة المقبلة تتطلب من الأطراف الدولية المضطلعة بدور رئيس في المشهد الآسيوي الحفاظ على أعلى مستويات الأمان والضمان الانتخابيين في كوالالمبور الماليزية، والتحرك جدياً للحؤول دون ظهور أي مشروع انتخابي مستقبلي قد يؤدي إلى إحداث خلل في التوزان (الآسيوي ـ الدولي) المبني على أساس تبادل المنافع ورعاية المصالح المشتركة. فهل تمت مراعاة عنصر المواءمة قبل الإعلان عن المشروع الانتخابي السعودي؟
لن أكون أحرص من السعوديين على مصالحهم، إنما أرى أن طرح مرشح سعودي لرئاسة الاتحاد الآسيوي عام 2015 لا يعدو كونه قراراً متسرعاً ناتجاً عن حسابات خاطئة وضعف في التخطيط وتجعل في اتخاذ القرار تحت تأثير مضاعفات الانتخابات التي أرتقب زوالها سريعاً. الحل الأمثل كما أراه، أن يتم التوفيق بين "المشروع السعودي" ومقتضيات المعادلة الانتخابية الآسيوية، وذلك يتحقق عن طريق تأجيل تقديم ملف الترشح للرئاسة الآسيوية إلى عام 2019 وتغيير الوجهة السعودية نحو زيوريخ السويسرية، وهنا أعني التفاوض بشأن خلافة د. حافظ المدلج للأمير علي بن الحسين في منصبه كنائب لرئيس "فيفا" عن قارة آسيا، ولا سيما أن المنصب سيكون شاغراً مع حلول عام 2015 ولا أعتقد أن أياً من الأطراف المعنية ستمانع في دعم مرشح سعودي لهذا المنصب المهم.
أخيراً، أتمنى أن يُقرأ مقالي هذا بعين العقل الواسعة المنفتحة، لا بعين العاطفة الضيقة المنغلقة، وتعالوا معاً نوسع نظرتنا ونلتفت نحو الشرق باتجاه طالتنين الصيني" تحديداً، ودعوني أسألكم: هل الصين التي يحتل اقتصادها المرتبة الثانية عالمياً، ويشكل عدد سكانها ما نسبته 20 في المائة من إجمالي سكان الكرة الأرضية، بحاجة إلى إيصال أحد مرشحيها إلى كرسي رئاسة الاتحاد الآسيوي لكرة القدم حتى تثبت لآسيا وللعالم أنها قوة عظمى؟ بالطبع لا، وكذلك الحال ينطبق على السعودية.

آخر فنجان
أيهما أهم، الظفر بمناصب قارية أم تحقيق مكاسب دولية؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي