Author

كهرباء العدل والمساواة

|
خرجت الشركة السعودية للكهرباء مطلع العقد الماضي نتيجة عملية إعادة هيكلة قطاع الكهرباء في المملكة عندما دمج نشاط الطاقة تحت مظلتها، واعتمدت لها تعريفة خدمات جديدة، لتتولى بموجب هذه العملية الشركة الجديدة مهام بناء شبكات ومحطات إنتاج الطاقة، ونقلها، وتقديم خدمات كهربائية بكفاءة عالية لجميع مناطق المملكة. وعلى الرغم مما قدمته الشركة من خدمات خلال العقد الماضي، إلا أن تحديات توفير الطاقة الكهربائية هي تحديات تتعدى أبعادها قطاع الكهرباء إلى تحدي أمن وطني قد يطفو على السطح في المستقبل القريب. والدافع خلف ذلك أن الأدوات التي يعالج بها تحدي توافر الطاقة الكهربائية ما زالت الأدوات ذاتها في السابق عندما كان الاحتياج يقع ضمن نطاق السيطرة. فقطاع الكهرباء يعد من القطاعات الإنتاجية الرئيسة في الاقتصاد السعودي الذي تميز عن غيره من القطاعات الإنتاجية الأخرى بأنه حظي بتاريخ عريق من عمليات إعادة الهيكلة عطفا على دوره الجوهري في تلبية احتياجات القطاعات السكنية والصناعية والتجارية بالطاقة الكهربائية اللازمة لاستدامة ونمو منتجاتها وخدماتها. حيث مر القطاع بعمليات إعادة هيكلة جذرية منذ الخمسينيات الميلادية حتى اليوم. كان قطاع الكهرباء خلال تلك الفترة بعيدا بعض الشيء عن مؤشرات الطفرة الاقتصادية. كان القطاع عبارة عن عشرات الشركات المنتشرة في مناطق المدن الرئيسة، وشبكات كهرباء مستقلة تغذي مناطق المدن الرئيسة، وتعريفة سعرية عبارة عن 14 هللة لكل كيلوواط في الساعة، وزيادة قليلة في الاستهلاك تقدر بـ5 في المائة تقابلها زيادة مماثلة في الإنتاج، ومتوسط مكرر ربحية بين عشرات الشركات هذه يعد مرتفعا جداً، وعدم وجود هيئة حكومية تشرف وتراقب سير العملية الإنتاجية والتسويقية، وكفاءة تشغيلية متباينة بين عشرات الشركات. مرت الخمسينيات والستينيات الميلادية بسلام مع مرحلة التأسيس المبدئي للاقتصاد السعودي، إلا أن دوام الحال من المحال، حيث مر الاقتصاد السعودي بطفرة اقتصادية عمت بنفعها جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية. فنما استهلاك الطاقة بمقدار 50 في المائة، وخفضت الدولة تعريفة الاستهلاك بمقدار النصف إلى سبع هللات لكل كيلوواط في الساعة، وضمنت الدولة في الوقت ذاته ربحية تقارب 15 في المائة للمساهمين، وتمت إعادة هيكلة القطاع بأكمله من خلال دمج شركات الكهرباء، وتفعيل دور الرقابة والإشراف الحكومي بإنشاء وزارة الكهرباء. استمرت عملية إعادة الهيكلة بما يضمن استدامة نشاط توليد الطاقة لأداء دوره المنوط به في دعم عملية نمو الاقتصاد السعودي واستدامته، كان من أهمها ظهور الشركة السعودية للكهرباء مطلع العقد الماضي. حققت الشركة الجديدة مجموعة من الإنجازات، وواجهت في الوقت ذاته مجموعة من التحديات. يشير "تقرير الإنجازات" الصادر أخيرا من الشركة إلى مجموعة من هذه الإنجازات منذ نشأة الشركة حتى اليوم. من أهم هذه الإنجازات نمو معدل إنتاج الطاقة بنسبة 52 في المائة، ونمو مساحة طول خط نقل الطاقة بمقدار 38 في المائة، ونمو طول خط توزيع الطاقة بمقدار 55 في المائة، ونمو عدد المشتركين بمقدار 57 في المائة، ونمو عدد المدن والهجر المستفيدة بمقدار 51 في المائة. وعلى الرغم من جميع هذه الإنجازات، إلا أن مجموعة من التحديات ما زالت قائمة. من أهم هذه التحديات انخفاض الإيرادات بنحو أربعة مليارات ريال سنوياً، وتأجيل مجموعة من المشاريع المقررة لإنتاج الطاقة وتعزيزها، وتوافر احتياطي إنتاج الطاقة لتلبية الطلب الصناعي، والتمويل المالي لتمويل الطلب المستقبلي في المديين المتوسط والطويل. واصلت عملية إعادة الهيكلة تقدمها بما يضمن استدامة نشاط توليد الطاقة. كان من آخر مراحل إعادة الهيكلة هذه ما حدث قبل أربعة أعوام عندما أطلقت وزارة المياه والكهرباء مشروعا طموحا يهدف إلى إنشاء قطاع مواز لقطاع إنتاج وتوليد الطاقة الكهربائية القائم. حددت الفترة الزمنية لاكتمال تنفيذ هذا المشروع الطموح نهاية 2015، وقسمت مراحل تنفيذه إلى ثلاث مراحل متوازية. تهدف المرحلة الأولى إلى فتح باب المشاركة في أنشطة إنتاج وتوليد الطاقة الكهربائية أمام الشركات الصناعية من خلال تشجيعهم على الاعتماد الذاتي لتلبية احتياجاتهم من الطاقة الكهربائية. تعقب المرحلة الأولى هذه مرحلة ثانية يمتد تنفيذها حتى 2015. تهدف المرحلة الثانية إلى إنشاء قطاع مواز لقطاع إنتاج وتوليد الطاقة الكهربائية القائم. سيضم هذا القطاع الموازي الحديث، إضافة إلى المؤسسات والهيئات الحكومية المعنية بمراقبة نشاط توليد الطاقة، مجموعة من شركات القطاع الخاص التي سيتحور دورها من مستهلك كبير للطاقة الكهربائية حسب الهيكلة الحالية إلى منتج رئيس للطاقة الكهربائية. وعندما تسير أمور تنفيذ المرحلة الثانية حسب المعد لها، وضمن الجدول الزمني المستهدف، فإن ذلك يعني بداية أن المرحلة الزمنية ما بعد 2015 ستشهد ولادة قطاعات توليد طاقة كهربائية مختلفة تعتمد على التنافس المباشر بين كبار المستهلكين من القطاعات التجارية والصناعية المختلفة وشركات الكهرباء القائمة. تقودنا القراءة المختصرة لتطورات قطاع الكهرباء خلال الفترة الزمنية الماضية إلى النظر في مستقبل القطاع ومحاولة التأكيد على معالجة ثلاثة تحديات جسام تكمن حول تهيئة قطاعات إنتاج وتوليد الطاقة الكهربائية بما يمكنها من الإسهام في نجاح قطاع توليد وإنتاج الطاقة الموازي المستهدف. التحدي الأول الكفاءة الاقتصادية للمؤسسات والهيئات الحكومية ذات العلاقة ومثيلاتها في القطاعات الصناعية والتجارية الراغبة في المشاركة في إنتاج وتوليد الطاقة الكهربائية. والتحدي الثاني تأهيل الشركات الراغبة في المشاركة من خلال تحوّر دورها من مستهلك رئيس للطاقة الكهربائية إلى منتج رئيس. والأمر الثالث الموازنة بين أهداف وتحفظات شركات الكهرباء القائمة وتلك الراغبة ما من شأنه تفعيل مبادئ العدل وتساوي الفرص التنافسية بينهم.
إنشرها