ملف الألف ورقة

بعد تسلمه ملف «مشروع التخصيص» الواعد، عقد المسؤول الأول عن الرياضة السعودية الأمير نواف بن فيصل مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع رئيس فريق التخصيص الأمير عبد الله بن مساعد، قال في إطاره: "لأن الرياضة في العالم أصبحت الآن صناعة توفر فرص عمل وبيئة استثمار مناسبة؛ فإنه كان لزاماً علينا أن نواكب العصر..". فهم متطلبات العصر هو الخطوة الأولى على طريق مواكبته، وهذا ما فعله الأمير عبد الله وفريقه الذي أعد مشروعاً متكاملاً طال انتظاره، من شأنه أن يحول الرياضة السعودية إلى صناعة مزدهرة مدرة للأرباح، وأن ينقل المتعاملين بها من عقلية الريع إلى عقلية الإنتاج، وهكذا تتطور الرياضة شيئاً فشيئاً، وصولاً إلى تحقيق رؤية المقام السامي على أرض الواقع في أن يوضع اسم المملكة في مصاف الدول المتقدمة رياضياً.
التخصيص ليس فيزياء نووية، على حد تعبير الأمير عبد الله بن مساعد، الذي يعد أحد الشخصيات الرائدة في مجال الأعمال. التخصيص بنظرة عامة هو فك شبه كلي لارتباط قطاع ما بالدولة، وحد تدريجي لتدخل الدولة في القطاعات التنافسية عبر نقل حق الملكية والتصرف في المؤسسات التابعة لها إلى الشركات والأفراد، مع تشجيع رؤوس الأموال الخاصة للاستثمار في تلك القطاعات وإحلالها محل الأموال العامة، ويتم ذلك بعد تأطير عملية التخصيص بإطار تشريعي شامل وصارم، يضمن حقوق المستثمرين ويوفر استثماراً آمناً لأموالهم. تقوم فلسفة التخصيص على أساس التكامل والشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتهدف إلى تقليل النفقات المحمّلة على الموازنة العامة للدولة، تحسين وتنمية القدرة التنافسية للمؤسسات وتعزيز أدائها المالي ورفع كفاءتها التشغيلية، مع احتفاظ الدولة بدورها الإشرافي لضمان سلامة الإجراءات، ووفقاً للقواعد القانونية والتنظيمية الموضوعة لذلك.
في ضوء ما تقدّم، قد يتساءل القارئ: ما علاقة كل هذه "الاقتصاديات" بالرياضة؟ ولماذا لجأت الدولة إلى تخصيص الرياضة؟ حسناً.. يقول خبراء الإدارة العامة إن أنجع الحلول الكفيلة بإزالة الترهلات عن جسد الحكومات يكون باستئصالها من القطاع العام وتسليمها إلى القطاع الخاص الذي سيكون أكثر حرصاً من الدولة على تحقيق الأرباح وتفادي الخسائر، والشواهد التاريخية على فاعلية سياسة التخصيص كثيرة، البعض منها طال قطاعات أضخم من الرياضة، أذكر منها اتجاه رئيسة الوزراء البريطانية السابقة الراحلة مارجريت تاتشر إلى التخصيص لإنقاذ اقتصاد بلادها بعد تقهقر عدد من أهم المؤسسات العامة في بريطانيا. شلمت سياسة التخصيص التي انتهجتها تاتشر مطلع الثمانينات: الخطوط الجوية البريطانية، و"رولز ـ رويس"، والاتصالات البريطانية "بي تي"، إضافة إلى عدة مؤسسات عامة أخرى أتم القطاع الخاص الاستحواذ عليها في تلك الحقبة، فتحولت هذه الشركات بفضل التخصيص من شركات توشك على الإفلاس إلى شركات قوية تشكل اليوم دعامة أساسية من دعائم الاقتصاد البريطاني.
شهدت الرياضة السعودية، وكرة القدم تحديداً، تراجعاً مخيفاً في السنوات الأخيرة، فكان لا من إيجاد طريقة لإنقاذها، ولما كان التخصيص هو الضالة المنشودة التي طال أمد البحث عنها، سعى فريق العمل المكلف لإعداد مشروع يواكب تطلع الشباب السعودي وطموحه في مستقبل رياضي أفضل. رفع "صانع الورق" الأمير عبد الله بن مساعد أخيراً "ملف الألف ورقة" إلى جهات الاختصاص لإقراره ووضعه حيز التنفيذ، وأرى أنه من الواجب على الإعلام والرأي العام دعم هذا المشروع وبقوة؛ لأنه سيجلب بإذن الله لشباب المملكة ألف منفعة ومنفعة ذات نطاق عريض، يمتد إلى ما هو أوسع من نطاق الرياضة؛ إذ إن إدارة وتشغيل صناعة الرياضة الحديثة تتطلب توافر موارد بشرية مؤهلة ومتخصصة في مجالات: المحاسبة، القانون، التمويل، التسويق، إدارة الأعمال، الهندسة..، وتخصصات أخرى، ومتى ما ابتدأ العمل بمشروع التخصيص، فإنه سيكون بصورة تلقائية موازياً لبرنامج الابتعاث، وستشكل الرياضة بتنظيمها الجديد بيئة جاذبة قادرة على استيعاب حملة الشهادات العليا العائدين بفكر جديد مواكب للتحول الذي ستشهده المملكة في المستقبل القريب، مما سيسهم في إيجاد حل لأزمة البطالة في المملكة، وهذا انعكاس واحد من الانعكاسات الإيجابية لتخصيص الأندية الرياضية على المجتمع السعودي والتي لا يتسع المجال لتعدادها في مقالٍ واحد، وهذا ما سأتطرق له في مقالات قادمة بحول الله.
ختاماً أقول: وداعاً للتخبيص، أهلاً بالتخصيص.

آخر فنجان:
الرياضة السعودية في حاجة إلى تخصيص العقول، قبل تخصيص الأندية!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي