انتخابات آسيوية أم أزمة دولية؟

مع شروق شمس كل يوم جديد يطرأ تطور جديد على الساحة الانتخابية الآسيوية، فبعد أن كان رسم التحالفات والاستراتيجيات الانتخابية للمرشحين منحصراً ضمن حدود القارة الصفراء واتجاهاتها المتباعدة، تمددت حركة المرشحين لكرسي رئاسة الاتحاد الآسيوي والمعنيين بالسباق الانتخابي المحتدم، واتسعت حتى وصلت إلى سويسرا التي تحتضن على أراضيها مقرات أهم المنظمات الدولية ومن ضمنها: الاتحاد الدولي لكرة القدم في مدينة زيورخ والاتحاد الأوروبي لكرة القدم في مدينة نيون. ترتبط هاتان المنظمتان ارتباطاً وثيقاً بلعبة الانتخابات في آسيا، وتؤثران بشكل مباشر وغير مباشر في موازين القوى الآسيوية؛ بحكم امتلاكهما سلطات موسعة، ونفوذا قويا داخل أروقة صنع القرار في الكتلة الانتخابية الآسيوية المتمثلة في اتحادات الدول الأعضاء بالاتحاد القاري.
اضطرت الأطراف الدولية إلى الدخول في أتون الصراع الآسيوي بعد انحساب (مرشح بلاتر) الصيني جيلونج من السباق الانتخابي الآسيوي استجابة لضغط اللجنة الأولمبية الصينية التي رفعت غطاء الدعم عن مرشحها، وكشفت ظهره أمام منافسيه على كرسي الرئاسة، تلبية لرغبة رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي الذي ساوم المسؤولين الصينيين على ملفات ذات طابع اقتصادي أجبرتهم على التخلي عن ابنهم جيلونج بمقابل تحقيق منافع مستقبلية أكبر وعلى مستويات أخرى بعيدة عن الصراع الانتخابي الآسيوي. استبعاد جيلونج (وكيل بلاتر في آسيا) أثار حفيظة فخامة رئيس جمهورية كرة القدم، الذي قرر عند هذه اللحظة المفصلية أن يرد بهجمة مضادة على الشيخ أحمد الفهد (العقل المدبر لعملية الاستبعاد)، فاستعان بلاتر بجنديه المخلص الأمريكي مايكل جارسيا، المحقق السابق في جهاز الشرطة الدولية الدولية (الإنتربول) ورئيس دائرة التحقيق في لجنة الأخلاق التابعة للاتحاد الدولي، وعكف كل منهما على النبش في ملفات ''الأخلاق'' بحثاً عن أدلة كافية لإدانة أحد أصدقاء الفهد وتوريطه في قضية فساد لإيصال رسالة مبطّنة لرئيس المجلس الأولمبي الآسيوي مفادها: احذر، نحن ما زلنا قادرين على لعب دور مؤثر في الانتخابات الآسيوية.
تمثلت ضربة بلاتر للفهد باستصدار قرار بإيقاف عضو اللجنة التنفيذية في ''فيفا'' السريلانكي فيرنون مانيلال فرناندو عن ممارسة أي نشاط مرتبط بكرة القدم على كل الأصعدة المحلية، القارية، والدولية لمدة 90 يوماً، ومن المعروف أن ''الخبير'' السريلانكي مانيلال المتحكم بتسعة أصوات في منطقة جنوب آسيا تقع تحت تصرف المرشح البحريني الشيخ سلمان بن إبراهيم، كون مانيلال أحد الحلفاء الجدد للفهد، بعد أن كان ولعدة سنوات مضت مقرباً من الرئيس السابق وخصم الفهد، القطري محمد بن همام.
إيقاف مانيلال حمل رسالتين، إحداهما سلبية والأخرى إيجابية، الرسالة السلبية كانت بالطبع من نصيب الفهد ومرشحه آل خليفة، أما الرسالة الإيجابية فكانت موجهة إلى المرشح الإماراتي يوسف السركال الذي وجد الفرصة مواتية للتقرب من جوزيف بلاتر والاستفادة من أداوته المؤثرة على اللعبة الانتخابية. أكثر الأدوات تأثيراً هو برنامج ''الهدف'' المخصص لدعم وتطوير كرة القدم في العالم عبر تمويل مشاريع ضخمة لا يمكن للاتحادات الصغيرة أن تغطي كافة نفقاتها، علماً بأن آسيا هي ثاني أكبر قارة مستفيدة من برنامج ''الهدف'' المموّل من ''فيفا'' بعد إفريقيا، إذ تم الانتهاء من تنفيذ 124 مشروعا تنمويا لمصلحة الاتحادات المحلية في آسيا، إضافة إلى عشرات المشاريع قيد الإنشاء، وهذا الرقم الضخم من المشاريع كفيل بتحويل ''الهدف'' إلى برنامج (رشاوى مقنّنة) تصب لمصلحة المرشح الذي ينجح في كسب ود بلاتر.
ميل بلاتر إلى السركال ــ والعكس صحيح ــ له مسبب آخر غير انسحاب جيلونج، وهو دعم الشيخ أحمد الفهد لصديقه القديم رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الفرنسي ميشيل بلاتيني في مخططاته المستقبلية الطامحة للإطاحة ببلاتر وإزاحته عن كرسي رئاسة الاتحاد الدولي في الانتخابات المقبلة المزمع إقامتها عام 2015، وأهمية الانتخابات الآسيوية بالنسبة للأطراف الدولية ترجع إلى كون الاتحاد الآسيوي لكرة القدم أكبر اتحاد قاري في العالم، ولكل طرف دولي مصلحة في إيصال مرشحه المفضل إلى رئاسة الاتحاد الآسيوي، ليكون الرئيس القادم مندوباً انتخابياً آسيوياً مسؤولا عن عملية تجميع الأصوات لأحد المرشحين لرئاسة ''فيفا'' بعد سنة ونصف من شهر مايو القادم، وهي ذات الفترة الرئاسية المحددة في الاتحاد الآسيوي لكرة القدم. وبعد دخول بلاتر وبلاتيني إلى ساحة معركة آسيا، وفشل مساعي ''التوافق'' فشلاً ذريعاً، لم يتبق سوى دخول أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون كوسيط ''أممي'' لحل النزاع (الخليجي - الخليجي) الدائر حول كرسي آسيا، منعاً لتدويل الأزمة.

آخر فنجان:

حتى سويسرا ''بلد السلام'' تحولت إلى ''ساحة حرب'' بفعل الخليجيين!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي