نلعب على بعض؟

رحل محمد بن همام عن رئاسة الاتحاد الآسيوي لكرة القدم وخلّف وراءه بيتاً آسيوياً منقسماً على نفسه، ينشغل مسيّروه بخلافاتهم بقدر أكبر من انشغالهم بتطوير كرة القدم في دول القارة. جوهر الخلاف ليس آليات تطوير المنظمة واللعبة وكيفية تنفيذ الخطط الموضوعة في هذين الجانبين، بل لعبة التوازنات الدقيقة ومجموعة الحسابات المعقدة وتقاطع الطرق الموصلة إلى كرسي كوالالمبور. الكرسي هو "الغنيمة" ونحن معشر العرب مفتونون بالغنائم، معظم صراعاتنا وسجالاتنا تدور حول مأزق تقسيمها، فلا غرابة أن نجد ساحة المعركة الانتخابية الآسيوية المستعرة بين أطرافٍ عدة ممتلئة بالعرب الذين إن لم يجدوا طرفاً خارجياً يتخاصمون معه، كان بعضهم لبعضٍ خصيما. ولا غرابة أيضاً إذا علمنا بأن الخلافات المتراكمة بين أقطاب غرب القارة الآسيوية جذورها قديمة؛ فالعقل العربي منغمس في التاريخ انغماساً عميقاً يؤدي في بعض الأحيان إلى حدوث انقطاع وتوقف مؤقت في حركة الزمان.
بعد تواري ابن همام عن المشهد الرياضي الآسيوي، برزت ظاهرة انتخابية جديدة، وأطلق طوفان الطامحين في منصب الرئاسة من غرب القارة العنان لسخرية المنافسين في شرق القارة من عدد المرشحين العرب، فطرح الأمير نواف بن فيصل بصفته رئيساً للاتحاد العربي لكرة القدم مبادرة ترتكز على تأجيل موعد الانتخابات الرئاسية وتمديد فترة قيام الصيني زهانج جيلونج بأعمال رئاسة الاتحاد القاري؛ سعياً وراء كسب وقت إضافي وبذله في مزيد من التشاور والتنسيق لرأب جدار غرب آسيا المتصدع ومحاولة توحيد الصف العربي الذي نادراً ما يتوحد. تبنت أغلبية الدول الأعضاء المبادرة السعودية، وخلال فترة "التمديد" ارتسمت ملامح المعركة على رمال الخليج المتحركة، واتضح مدى اتساع التباعد بين "الأشقاء" وغياب الرؤية الموحدة في ظل استمرار تراقص كل الأطراف على حبال الجمود والانغلاق، وما كان التراشق الإعلامي المصاحب لبطولة "خليجي 21" إلا جولة استباقية للمعركة الانتخابية الآسيوية، واسترجاعاً للخلاف المترسّب بين "الحرس القديم"، وهم حلفاء الرئيس السابق محمد بن همام، و"كتلة التغيير" التي يتزعمها رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي الشيخ أحمد الفهد.
السباق الانتخابي الآسيوي زاخر بالطرائف التي تستحق المناقشة، لعلّ آخرها هو "اجتماع عمّان" التنسيقي الذي دعا إليه رئيس اتحاد غرب آسيا لكرة القدم الأمير علي بن الحسين لإبراء الذمة. حاول الأمير لعب دور أثقل من وزنه في القارة فباءت محاولته بالفشل، بعد أن انحرف الاجتماع الذي انعقد برعايته عن مساره الرئيسي الذي كان مقرراً له أن يصل بعرب آسيا إلى التوافق على مرشح (واحد) من بين المرشحين الثلاثة العرب، وتحول الحاضرون إلى مناقشة أجندات جانبية تتعلق بعضوية إيران في اتحاد غرب آسيا، موقع المنتخبات العربية من التنصيف العالمي للمنتخبات، وأمور أخرى بعيدة عن الغرض الأساسي الذي عقد من أجله الاجتماع!.
المهم، تم فض الاجتماع منعدم القيمة دون التوصل إلى صيغة توافقية، وانصرف المشاركون إلى تبادل عبارات الإطراء المفرط التي قلّما تخلو منها التجمعات العربية، وكان المرشح البحريني الشيخ سلمان بن إبراهيم المعتذر مسبقاً عن الحضور إلى عمّان هو المستفيد الأكبر من اجتماع "الوقت الضائع"؛ إذ آثر عدم إهدار وقته في "بروتوكولات" لانفع منها سوى التلميع والتسويق للأمير علي، عربياً وقارياً. وختاماً، وصلت للأطراف المجتمعة في عمّان رسالة (غير مباشرباسة) مفادها أن إتمام أي تسوية انتخابية مقترن بموافقة من الشيخ أحمد الفهد، الذي يعرف جيدا خيوط لعبة التوازنات الانتخابية الآسيوية والرجل "النافذ" داخل أروقة صنع القرار الرياضي في القارة.
انعدام الشفافية هي السمة التي طغت على العملية الانتخابية الآسيوية في شطرها العربي، فمع بداية كل فصل جديد من فصول الانتخابات تختفي حقائق واضحة خلف تصريحات براقة. ترفع بعض الأطراف شعار "الوحدة العربية"، وتنادي للالتفاف حول مجموعة من القيم، لكنها لا تمتلك الأساس المادي الذي ستقوم عليه مثل هذه القيم. هكذا هم العرب عندما (يتّحدون): تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتّى! يا فرحة التايلندي واراوي ماكودي بمنافسين مثلنا.
آخر فنجان: يخوض المرشحون العرب الانتخابات الآسيوية تحت شعار: خلّونا نلعب على بعض!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي