كفاية العمل بصمت!

الناس تحب رؤية وسماع الإنجازات، لأنها تعزز الشعور بمستقبل واعد ورفاهية قادمة، خاصة إذا كانت تلك المنجزات تصب في خدمتهم بالدرجة الأولى، وفي الوقت نفسه هم أول من يشعر بالإحباط والقلق عندما يسمعون الخطط ويقرأونها، ولكن لا يشاهدونها ولا يلمسونها كمنجزات على أرض الواقع، وعلى صعيد آخر نجد الإنفاق السخي من الدولة على المشاريع التنموية في شتى المجالات، وقد يتبادر للذهن سؤال أين تذهب هذه المليارات كل سنة؟ والجواب أكيد هي لا تذهب في الهواء ولا تنفق على مشاريع في كوكب آخر، بل على أرض المملكة. وأكيد هناك إنجازات سنوية ومشاريع تفتح وأخرى تدشّن، ولكن يتم تناولها إعلاميا على استحياء وهذا الأمر يدفع الناس للشكوك والظنون والإحباط كونهم يسمعون عن مشروع ما أثناء تدشينه أو طرحه ثم تختفي المعلومة سنين وفجأة نسمع أن هناك مشروعا أصبح على أرض الواقع هذا القصور في إيصال المعلومة لا يخدم التنمية الشاملة في المملكة ويزيد الشكوك في محاربة الفساد ويقلل شيوع النزاهة والتقليل من قدرها.
هناك مقولة تقول: ''الأفضل العمل بصمت'' وهذه المقولة أصبحت اليوم في ظل الطفرة المعلوماتية والتواصلية لا تخدم من يتبناها، فلماذا إذاً نعمل بصمت ولا نجعل الناس يتابعون ويفرحون بمراحل الإنجازات عند بنائها، وعندما تكون منجزة؟ ولماذا لا نقوم بتسويقها لبث الروح المعنوية وزيادة الوعي باستخدامها والاستفادة منها؟ فالمملكة قارة مترامية الأطراف، والتنمية الشاملة تنال من كل بقعها فيها، والإنسان مهما كانت معلوماته لا يستطيع إدراك أو معرفة كل شيء فيها، ففيها مواقع سياحية طبيعية وجزر لا يعرفها الجميع، وهناك طرق للربط بين المدن ذات أهمية بالغة في الانتقال تنجز ولا يعرفها إلا القريبون منها سكنا، وهناك إنجازات طبيعية وأخرى ثقافية وهندسية وشبابية وقصص نجاح تحتاج إلى اطلاع الناس عليها لتعزيز السلوك الإيجابي والتقليل من السلوك الإحباطي المتشكك.
اليوم بعض مواقع التواصل الاجتماعي اعتاد من يستخدمها على تحطيم همم ومعنويات الناس المنجزين والمبدعين والعاملين واعتادوا على بث روح الشكوك وسوء الظن في كل ما هو إنجاز، وكأننا في غابة لا قانون لها ولا يوجد أناس محترمون أو نزيهون أو مبدعون، وكأن المملكة الساعية في النمو والتطور يفترض منها أن تكون بلدا من بلدان العالم الأول في غمضة عين دون مراعاة الفوارق الزمنية التي مرت بها جميع الشعوب لكي تصل للعالمية، وهناك مقارنات قد تكون مجحفة بدون مراعاة الفوارق الاجتماعية والفكرية والحضارية والنمو الطبيعي والمنطقي الذي يتوازي فيه النمو الفكري مع النمو المادي.
تسويق المنجزات والحديث عن التقدم الحضاري والإنساني، بات صناعة، وانتقلت من التقليدية والعمل الروتيني لتكون مهنة تحتاج لخبرات إعلامية متميزة، ورؤية واضحة وخططا تستهدف إيصال الرسالة الحقيقية للجمهور دون هالة وتضخيم، لكنها حريصة لإبلاغ هذا الجمهور بحقيقة المنجز وفائدته، الطريقة الاعتيادية التي تتم حاليا باتت تقليدية ولا تتناسب مع عصر ''تويتر'' و''فيسبوك'' والإعلام الجديد، لا بد أن يحدث تطوير لوسائلنا وطرق تعاطينا وتعاملنا مع منجزاتنا، وأن يتم استخدام الوسائل الحديثة في هذا المضمار. فنحن نشهد اليوم تحول أنظار الناس إلى وسائل إعلام حديثة غير تقليدية، مثل ''يوتيوب'' و''كيك''، التي تعتمد على الصورة والفيديو، أكثر من اعتمادها على الكلمات المكتوبة. وفي ظني أننا سندلف لعالم جديد من الإعلام الأكثر حداثة وتطورا، وبالتالي فإننا مهما قمنا بالترويج أو إبلاغ الجمهور بمنجزات وفق الطرق التقليدية فإن الرسالة وإن وصلت لشريحة من الناس إلا أنها لم تصل لجميع الناس أو لمعظمهم. في دول مجاورة تمد خطا لا يتجاوز عشرات الكيلوات من سكة الحديد، فتقوم الدنيا ولا تقعد، كل يشيد وتسمع وتقرأ مطولات من الإشادة والمديح، وفي بلدنا آلاف آلاف من السكك الحديدية يتم العمل على ربط هذه البلد الواسعة بشبكتها التي تخترق كثبان الرمال والسهول والجبال، ولا تسمع كلمة، بل نقد وتشكيك، في أحد البلدان المجاورة يتم تشييد سوق، فتضح الأخبار عنه ولا تتوجه لمكان إلا وتسمع الأحاديث الطوال والإشادة والمديح، وفي بلادنا ولله الحمد ما هو أهم وأكثر تطورا وتقدما مثل بناء مدن اقتصادية كاملة، والجامعات التي شيدت بالعشرات في مختلف مناطق بلادنا الحبيبة ورأت النور في أقل من ثلاث سنوات، وبناتنا وأبناؤنا يتلقون اليوم تعليمهم فيها. لكنها مغيبة تماما، إنه الإعلام وصناعته، لنتجاوز الإعلام الاعتيادي التقليدي ونتوجه للإعلام النوعي، لتصل رسالتنا ونخرص المتشككين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي