«ساهر» وطمس اللوحات

بارك الجميع تصريح مدير شرطة دبي عن تغريم من يغير أرقام اللوحات أو يخفي أي جزء منها بـ 20 ألف درهم والتوقيف لمدة تصل إلى ستة أشهر. العقوبات المغلظة تأخذ في الاعتبار جميع المحاذير التي تتعلق بسلوك مثل هذا. تغيير اللوحات قد يكون دليلاً على نية الهروب من القانون أو التخطيط لتنفيذ أعمال إجرامية لا يمكن حصرها. طبقت هذه العقوبة على عدد من السعوديين في العام الماضي، ولكنني لم أسمع بحدوث مثل هذه المخالفات في السنة التالية. السبب واضح، وهو أن تطبيق القانون لم يستثن أحداً. وهو ما يحدث في الإمارات بشكل عام.
يعرف الجميع قصة لفت النظر الذي وجهته إدارة مرور أبو ظبي لوزير خارجية الإمارات لأنه شوهد يتحدث على الهاتف الجوال أثناء قيادة سيارته وهي مخالفة مرورية. وبغض النظر عن مفهوم قيادة وزير سيارته الخاصة بنفسه، فهناك إلزامه بالقانون. المعلوم أن القانون لا بد أن ينفذ على الكبار قبل الصغار ليكون ساري المفعول ومحترماً وتختفي فكرة ''الفزعات'' و''النخوة'' التي أفسدت الكثير من قوانيننا وجعلتها مشلولة.
تنتشر اليوم عملية طمس اللوحات أو وضع '' الشطرطون'' عليها لإخفاء معالمها. الهدف المنتشر بين الناس هو الهروب من ''ساهر''. الميزة الأهم لنظام ساهر هو أنه لا يعرف الصغير من الكبير ولا الغني من الفقير فهو نظام أعمى عن الفروق بين الناس، وهذا ما جعله برنامجاً ناجحاً يشار إليه بالبنان. إن محاولة كسر قدرة ''ساهر'' من خلال ارتكاب مخالفات أكثر خطراً من مجرد المخالفة المرورية، أمر خطير للغاية.
لا بد أن تتعامل الجهات الأمنية مع مخالفة إخفاء معالم اللوحة بشكل حازم. لأن هذا يمنح أصحاب النوايا السيئة المظلة التي تمكنهم من استغلال هذه الثغرة في تنفيذ جرائم أخطر وأكثر ضرراً على الوطن بشكل عام.
***
يتحدث الجميع عن التصريح الذي لا أعرف مصدره والذي يتعلق بإيقاع العقوبات على محذري السائقين من كاميرات ''ساهر'' خصوصاً على الطرق السريعة. أرجو ألا يكون هذا التصريح من جهة رسمية لأنه يدل على سطحية شديدة، وعدم فهم للنظام الذي تعمل به منظومة كاميرات ضبط السرعة، وهي كاميرات ذات قدرة تقنية متفوقة في التقاط الصورة الثابتة بسرعة عالية، حيث تقدم لقطة وحيدة واضحة تحتوي تفاصيل نوع السيارة ولوحتها وشخصية قائدها.
الواضح هنا هو أن الكاميرا تلتقط صورة واحدة ثابتة، والمتحدث في سيناريو ضبط المحذرين من مواقع الكاميرات يفترض أن الكاميرات لديها القدرة على التصوير بالفيديو، وهذا يعني أنه لا بد من وجود منظومة كاميرات تعمل بطريقة مختلفة لمراقبة الطرق وتعتمد على نظام مختلف عن نظام كاميرات ساهر وهو مشروع مختلف تماماً.
أعتقد أن الوسيلة الأهم في ضمان الالتزام بالنظام والسرعات المحددة في كل مكان هو تعميم النظام وتكثيف الكاميرات بشكل يجعلها جزءاً من تركيبة المدن والطرق الداخلية والخارجية، وتغيير أنواع الكاميرات وشكلها الخارجي . أذكر أنني عندما زرت دبي أخيرا حصلت عند خروجي من المطار على إحصائية بعدد مرات عبور بوابات ''سالك''، وهذا نظام يمكن أن تعتمده إدارات المرور في الشوارع والطرق السريعة، حيث لا يكون هناك ما يشير إلى وجود الكاميرا، وهذا الأمر يجعل الناس يحترمون النظام لذاته.
***
أعتبر نفسي من القادرين على معرفة مكاني في أي مدينة بشكل عام. أستطيع أن أستأجر سيارة في أغلب مدن أوروبا وأصل إلى حيث أريد من خلال قراءة الخريطة، ومراجعتها مع اللوحات الإرشادية المنتشرة على الطرق. أنجح كثيراً في مسعاي هذا إلا عندما يتعلق الأمر بالمدن العربية ''باستثناء الإمارات طبعاً''. أسوأ حالاتي هي في مدن المملكة بشكل عام. تخدمني خبرتي في مدن كجدة ومكة المكرمة والطائف، لكن عندما أقود سيارتي في مدن المنطقة الشرقية فإنني أكاد أضمن عدم الوصول للمكان الذي أريده كل مرة. ولا بد أن أقف وأستفسر، و هو أمر أجده محرجاً كوني ابن البلد، إضافة إلى أن الكثيرين قد يرسلونك إلى مكان لا تريده أصلاً.
الإشكالية تساهم فيها البلديات وإدارات المرور، ولا أنسى المشاريع التي جعلت شوارعنا تصاب بما يشبه ''الجدري'' مما فيها من الكسور و''الخروم'' والحفر، والصبات. لا تعطي البلديات الأهمية الكافية للقادمين من خارج المدينة، حيث لا يمكنك أن تصل إلى مرادك مهما كنت متوائماً مع ''بوصلتك الحيوية''.
كنت أحاول أن أصل ذات مرة إلى مسجد القبلتين في المدينة المنورة. بحثت و''درت'' وحاولت واستفسرت وكان كل شخص يدلني على مكان مختلف ودوار لا علاقة له بالموقع. أضافت لوحة وضعتها الهيئة العامة للسياحة والآثار إلى ضياعي فكانت تشير إلى الموقع وهي على بعد خمسة كيلو مترات منه. عندما دخلت مع الشارع المحدد، لم أعد أشاهد أي شيء يدلني على الموقع. أصدقكم أنني أمضيت نحو الساعة أبحث حتى وصلت للموقع.
أستغرب لماذا في القرن الـ 21 لا يمكن الحصول بسهولة على خرائط واضحة يمكن من خلالها الوصول إلى مواقع مهمة في مدننا؟ لماذا لا تعتمد الجهات المنظمة أسلوبا علميا في توزيع اللوحات في الشوارع، وتعيد ترتيب اللوحات عند العمل في مشاريع تغير مفهوم اللوحة الإرشادية؟ لماذا يحاول كل جهاز أن يحيل القضية إلى غيره؟ ولماذا يبقى الجهد الذي تبذله جهة معينة معيبا أو ناقصا؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي