الأسس الاقتصادية الجوهرية خلال 2013
يبدو أن الاقتصاد العالمي هذا العام سيحمل بعض أوجه التشابه مع الظروف التي سادت عام 2012. وليس هذا بالأمر المستغرب: فنحن نواجه عامًا آخر، حيث سيبلغ النمو العالمي في المتوسط 3 في المائة، لكن في ظل تعاف متعدد السرعات ــ معدل سنوي أدنى من المستوى السائد عند نسبة 1 في المائة في الاقتصادات المتقدمة، ومعدلات أقرب إلى الاتجاه السائد بنسبة تصل إلى 5 في المائة في الأسواق الناشئة. لكن لن يخلو الأمر من بعض الاختلافات المهمة أيضًا.
وتظل عملية تقليص المديونية المؤلمة - خفض الإنفاق وزيادة المدخرات لتقليص الديون والروافع المالية - جارية في أغلب الاقتصادات المتقدمة، وهو ما يعني ضمنًا تباطؤ النمو الاقتصادي. لكن التقشف المالي هذا العام سيحيط بأغلب الاقتصادات المتقدمة، وليس الدول الواقعة على أطراف منطقة اليورو والمملكة المتحدة فحسب. بل إن التقشف ينتشر إلى قلب منطقة اليورو، والولايات المتحدة، وغير ذلك من الاقتصادات المتقدمة (باستثناء اليابان). ونظرًا لتزامن التقشف المالي في أغلب الاقتصادات المتقدمة، فإن عامًا آخر من النمو دون المتوسط قد يفسح المجال أمام انكماش صريح في بعض البلدان.
ومع النمو الهزيل في أغلب الاقتصادات المتقدمة، فإن تعافي الأصول الخطرة الذي بدأ في النصف الثاني من عام 2012 لم يكن مدفوعًا بتحسن في العوامل الأساسية، بل بجولات جديدة من السياسة النقدية غير التقليدية. فقد انخرطت البنوك المركزية في أغلب الاقتصادات المتقدمة - البنك المركزي الأوروبي، وبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وبنك إنجلترا، والبنك الوطني السويسري - في شكل ما من أشكال التيسير الكمي، ومن المرجح الآن أن ينضم إليها في هذا بنك اليابان، الذي يُدفَع دفعًا من جانب حكومة رئيس الوزراء شينزو آبي الجديدة إلى تطبيق مزيد من السياسات غير التقليدية.
وثانيًا، في حين نجحت إجراءات البنك المركزي الأوروبي في الحد من المخاطر الآجلة في منطقة اليورو - خروج اليونان و/أو فقدان القدرة على الوصول إلى السوق بالنسبة إلى إيطاليا وإسبانيا - فإن المشاكل الجوهرية التي يعانيها الاتحاد النقدي لم تُحلّ. وجنبًا إلى جنب مع عدم اليقين السياسي، فإن هذه المشاكل ستعود إلى الظهور من جديد بكامل قوتها في النصف الثاني من العام.
وثالثًا، اضطرت الصين إلى الاعتماد على جولة أخرى من الحوافز النقدية والمالية والائتمانية لدعم نموذج النمو غير المتوازن وغير المستدام اعتمادًا على الصادرات المفرطة والاستثمارات الثابتة، والمدخرات المرتفعة، والاستهلاك المنخفض. وبحلول النصف الثاني من العام، فسوف يتسارع انحدار الاستثمار في العقارات، والبنية الأساسية، والقدرة الصناعية. ولأن القيادات الجديدة للبلاد - التي تتسم بالمحافظة، وتتبنى التغيير التدريجي، وتتخذ قراراتها بالإجماع - من غير المرجح أن تبادر إلى التعجيل بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة لزيادة دخول الأسر والحد من الادخار التحوطي، فإن الاستهلاك كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي لن يرتفع بالسرعة الكافية للتعويض عن ذلك. وبالتالي فإن خطر الهبوط الحاد سيرتفع بحلول نهاية هذا العام.
ورابعًا، تشهد أسواق ناشئة عديدة اليوم - بما في ذلك البرازيل وروسيا والهند والصين، لكن أيضًا أسواق أخرى عديدة - تشهد نموًا متباطئًا. والواقع أن "رأسمالية الدولة" في هذه الأسواق - الدور الكبير الذي تلعبه الشركات المملوكة للدولة؛ والدور الأكبر الذي تلعبه البنوك المملوكة للدولة؛ وتأميم الموارد؛ والتصنيع الذي يحل محل الواردات؛ وفرض تدابير الحماية المالية والضوابط على الاستثمار الأجنبي المباشر - هي قلب المشكلة. ويتبقى أن نرى إذا ما كانت هذه الأسواق الناشئة ستتبنى الإصلاحات الرامية إلى تعزيز دور القطاع الخاص في النمو الاقتصادي.
وأخيرًا، هناك المخاطر الجيوسياسية التي تلوح كبيرة في الأفق. فالشرق الأوسط الكبير بالكامل - من المغرب العربي إلى أفغانستان وباكستان - يعاني حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. والواقع أن الربيع العربي يتحول إلى شتاء عربي. وفي حين يظل الصراع العسكري الصريح بين إسرائيل والويلات المتحدة من جانب وإيران من جانب آخر غير مرجح، فمن الواضح أن المفاوضات والعقوبات لن تحث زعماء إيران على التخلي عن الجهود الرامية إلى إنتاج الأسلحة النووية.
ورغم أن احتمالات العاصفة الكاملة - حيث تتحقق كل هذه المخاطر في أكثر أشكالها ضراوة - لا تزال منخفضة، فإن تحقق أي من هذه المخاطر بشكل منفرد قد يكون كافيًا لعرقلة الاقتصاد العالمي وأعادته إلى الركود. ورغم أنه من غير المحتمل أيضًا أن تتحقق كل هذه المخاطر في أكثر أشكالها تطرفًا، فإن كلاً منها ستتجلى في هيئة ما. ومع بداية عام 2013، بدأت مخاطر الجانب السلبي التي تهدد الاقتصاد العالمي في استجماع قواها.