السعودة بين رفع تكلفة الوافد والحد الأدنى للأجور
من المؤكد أن محاربة البطالة والقضاء عليها هدف وطني عظيم، غير أن هذا ينبغي أن يستند إلى تحقيق الإنتاجية في أعلى مستوى ممكن لها، وإلا تحوّل التوظيف إلى ضمان اجتماعي أو بطالة مقنعة.
وإذا كانت وزارة العمل قد سعت من خلال ''حافز'' و''نطاقات'' إلى دفع القطاع الخاص لاستيعاب المواطنين بدلاً من الوافدين، فعمدت إلى زيادة تكلفة تشغيل الوافد من خلال دفع مبلغ 2400 ريال في العام لكل عامل توجّه كمصدر لزيادة مدخرات صندوق الموارد البشرية؛ لتسهم بدورها في مزيد من التوظيف بحد أدنى للمواطن قدره ثلاثة آلاف ريال، فعلينا إزاء هذا التوجه معرفة إذا ما كان هذا قد أسهم في الحد من الاستقدام وزيادة التوظيف الوطني أم أن للمسألة وجهاً آخر؟!
لا يبدو أن باب الاستقدام ضاق إلا في نطاق طفيف لا يكاد يُذكر.. نجم عن منشآت شكلية هزيلة بات هذا المبلغ المحدود مما لا يحتمله أصحابها؛ لأنه كان يقرب من حجم عائده من تشغيله عمالته، وإلا فما زالت المنشآت القادرة تفضل دفع 2400 ريال على أن تدفع راتبا مجزيا لشاغل الوظيفة الوطني يتجاوز ثلاثة آلاف ريال إلى ضعفه مثلاً، كما لم يشكّل مبلغ ''نطاقات'' حافزاً مغرياً للقوى العاملة الوطنية، ومعظمهم ممّن يحملون شهادات جامعية أو عليا، مفضلين الانتظار سنوات للالتحاق بالقطاع الحكومي طالما أن القطاع الخاص يمانع في منح راتب مجز.
إن الحلقة المفقودة في هذه المعالجة تتمثل في عدم رفع كفاءة سوق العمل من خلال استهداف رفع الإنتاجية التي تقتضي التأهيل والتدريب من ناحية، وتقديم راتب يحقق لصاحبه العيش الكريم وليس الكفاف، وحتماً السبيل إلى ذلك هو وضع حد أدنى للأجور يعكس المستوى الاقتصادي وثقل التنمية الوطنية، ممثلاً في متوسط دخل الفرد السعودي الذي لن يكون ثلاثة آلاف إذا ما أخذنا في الحسبان المستوى الاقتصادي للمملكة وثقل التنمية، وأخذنا إلى جانبهما جرعة تنشيطية من الزيادة عليهما لكي تكرس الانتماء للعمل والحماس للبذل والإبداع فيه، وبالتالي الإسهام في رفع الإنتاجية، على المستوى الوطني العام طالما كل عمل سيشكل في النهاية قيمة مضافة لاقتصاد الوطن.
إن رفع تكلفة العامل الوافد مجرد هروب للأمام من استحقاق مواجهة رفع كفاءة سوق العمل بحد أدنى مميز للأجور.. أي بمستوى يتسق مع الثقل الاقتصادي الوطني وليس بتسويات غير طموحة وجسورة، فالدخل الجيد ضمانة الأداء الجيد.. أما الخشية من أن يؤدي الحد الأدنى للأجور إلى بقاء العمالة فغير صحيحة بنسبة كبيرة؛ لأن القطاع الخاص حينئذ سيحسم أمره في ألا يبقى معه من الوافدين إلا ما هو مطلوب فعلاً.. أي ما يشكّل وحدة بشرية إنتاجية هي مربط الفرس والجوهر في تحقيق الكفاءة الاقتصادية لأي منشأة كانت عامة أو خاصة، وحتماًَ سيلعب حد الأجور الأدنى الممثل للثقل الاقتصادي الوطني جاذباً الباحثين عن عمل من المواطنين طالما هو يقدم له مقابلاً مادياً يضعه في مزاج نفسي كريم كغيره من القادرين، بل إن هذا المنحى في المعالجة سيؤدي إلى تحسين هيكل العمالة وتصنيفه ليجعل السعودة مربوطة بالاحتياج الذي يظل مربوطاً بدوره بالحد تصاعدياً من الاستقدام عن طريق مراقبة وزارة العمل لسوق العمل في كل تخصّص ومعرفة نوع الاحتياج والعدد المطلوب والتحكم في لجم الخارج لمصلحة الداخل.. الأمر الذي سيكشف المكوّن الفعلي لسوق العمل بالتخصّص والعدد، وبالتالي يستطيع الطلاب أنفسهم أن يستهدفوا هذا المجال أو ذاك بناءً على ما يرونه محققاً لميولهم وما يوفر لهم الدخل الذي يتطلعون إليه.
إن مقاربة مسألة السعودة على هذا النحو.. من خلال الترابط بين رفع الإنتاجية والحد المجزي الأدنى للأجور للمواطن وللوافد على حد سواء سترتقي نوعياً ومادياً بسوق العمل لصالح المواطن في النهاية ويضيق معه شيئاً فشيئاً باب الاستقدام بل يستعر فيه التنافس في الكفاءات الوطنية التي ستكون قد نذرت نفسها للتأهيل والتدريب؛ لأنها ترى أمامها سوق عمل يشحنها بالحماس لكي تنخرط في مؤسساته الخاصّة بفرصها المجزية عملاً ودخلاً.