بَسْ !!
«بَسْ» بفتح الباء، كلمة عامية، تعني باللغة العربية «لَكِنْ»، أو تعني «انتهى»، وهي كلمة كثيرة الاستعمال لدينا في مصر، وأحسب أنها كثيرة الاستعمال - كذلك - في أقطار عربية متعددة.
وأخطرُ استعمال لكلمة «بَسْ» يقع حين تُستخدم بغرض الاستئناف أو الاستدراك من أجل تبرير الخروج على القواعد والأنظمة لاستثناء شخص أو عمل أو موقف من الخضوع للنظام العام.. كأن تقول لشخص ما: إنّ الغش في الامتحانات ممنوع بتعليمات وحرام شرعاً، فيقول: اتفق معك، ثم يأتي دور «بَسْ» بُعَيدَ هنيهة على لسانه فيقول: «بَسْ» فلان بن فلان مسكين ووالده فقير لا يتحمل نفقات سنة دراسية جديدة إنْ رسب هذا العام، فنجاحه ولو بالغش أمر صواب!، أو يقول: «بَسْ» الطالب الفلاني إنْ تخرج فلن يجد عملاً فلا وظائف في سوق العمل، فالنجاح والرسوب سواء لديه يا أخي، فلنصنع فيه وفي أهله جميل ونساعده على النجاح.. يقصد بالغش طبعاً!.
المُدهش في الأمر أن يصدر طلب التجاوز ممن يتباكون على الحالة الرَّثة التي هوى إليها المجتمع دينياً وتعليمياً وأخلاقياً، بل لا يكُفون البتة عن رفع أكفّ الضراعة إلى الله كي يصلح حال الأمة وأن يرفع عن واقعها الغُمّة، وكأن خرق القوانين واللوائح صكٌّ قد مُنح لهؤلاء دون سواهم من البشر، وإلا فما سر هذه «الشيزوفرينيا» التي يمارسون بها الحياة؟!، إذ يعترضون في سلوك الناس على ممارسات هم أول من يأتيها، بل ويَدْعُون إلى الإخلال بها متى سنحت الفرص!.
والأشدُّ غرابة أنّ كثيراً ممن يُصْدِرون التعليمات والتعميمات هم أول من يتجاوز في تطبيقها باستثناءات دميمة لأهل القرابة والصداقة والنفوذ، بل لا يتورعون عن مخالفتها بالكلية بإلقاء الأوامر الشفهية إلى مرؤوسيهم بالخروج عليها، شريطة توفير سقف حماية لهم من المساءلة والمحاسبة.. يستطيع رجل مثلي قضى في العمل الإداري ما يقرب من خمسة عشر سنة، وتعامل كثيراً مع ملفات القرارات والنشرات والتعليمات أن يقول بكل صراحة إنّ التعليمات قد وُضِعَتْ في كثير من الأحيان لمن لا ظهر لهم، والتفسير يكمن في سر «بَسْ»!.
حان الوقت لنشطب من سجلاتنا «بَسْ»، و«معلش»، و«فوِّت» و «كبَّر مُخك»، لأنها كلمات أدى العمل بها من الأبواب الخلفية إلى تفريغ النظم من مضمونها ومن فاعليتها، فليست العبرة دائماً بصك القوانين ونشرها، ولكن بخلق البيئة اللازمة لتطبيقها على الكافة بلا استثناء، ليكون صوت القانون أعلى من صوت المنصب، ويكون حكم القانون أقوى من حكم الكُرسي.. هكذا احترم العالم المتقدم قوانينه وتشريعاته في الصغير والكبير، فاحترمتهم الحياة..!!.
أرجو أن يكون لدي حق فيما كتبت.. بَسْ خلاص!.