Author

امتناع الجهات الحكومية عن المثول أمام القضاء الإداري

|
جاء في أخبار الصحف المحلية أن ديوان المظالم انتقد في تقريره المرفوع إلى مجلس الشورى، تلكؤ بعض الجهات الحكومية عن حضور الجلسات الخاصة بالقضايا المرفوعة ضدها أمام المحاكم الإدارية في الديوان. وهذا الانتقاد ليس جديدا، إذ سبق أن أبداه الديوان قبل أكثر من سنتين، وصدرت على أثر ذلك توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز التي شددت على ضرورة حضور ممثلي الجهات الحكومية جلسات الترافع في القضايا المقامة ضدها في المواعيد المحددة والرد بجدية على الدعاوى، وتقديم ما يطلب منها من مستندات. ولعل من المناسب أن أشير في هذا الصدد إلى الاعتبارات التالية: أولا: أمام القضاء يتساوى الفرد والدولة إعمالا لمبدأ سيادة القانون، الذي يعني خضوع الفرد والدولة بجميع إدارتها ومؤسساتها لحكم القانون. ثانيا: إن ديوان المظالم هيئة قضاء إداري مستقلة، ووجوده هو إحدى ضمانات سيادة حكم القانون وحماية حقوق الأفراد ومصالحهم من أخطاء وتعسف الإدارات الحكومية. ثالثا: ترتيبا على ما سبق فإنه إذا رفع شخص طبيعي أو معنوي دعوى ضد إحدى المحاكم الإدارية في ديوان المظالم ضد جهة حكومية فإنه يتعين على الجهة الحكومية المدعى عليها أن تبعث ممثلا لها ومفوضا لحضور جلسات الدعوى لإبداء ما لديها من دفاع ودفوع. وأود في هذا الصدد أن أشير إلى الحديث الشريف الذي رواه عبد الله بن الزبير -رضى الله عنه- حيث قال: (قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم)، لذلك فإن امتناع الجهة الحكومية المدعى عليها عن المثول أمام القضاء وتخلفها عن حضور جلسات الدعوى من دون عذر قانوني يعد استخفافا بالقضاء يستوجب مساءلة المسؤول عن ذلك ومحاسبته. رابعا: إن ديوان المظالم ليس مرفقا إداريا عاديا، بل هو جزء من السلطة القضائية في الدولة، وبالتالي لا يجوز للجهة الحكومية أن تكتفي في الرد على الدعاوى المقامة ضدها ببعث خطاب بوجهة نظرها إلى الدائرة القضائية في الديوان التي تنظر في الدعوى، بل يجب عليها -كما سلف القول- أن تبعث مندوبا مفوضا يمثلها في حضور الجلسات والترافع بالنيابة عنها. ولقد حفظ لنا التاريخ الإسلامي نماذج ساطعة من امتثال الولاة والحكام لأوامر القضاء بحضور مجلس القضاء لإبداء دفاعهم في القضايا المقامة ضدهم. خامسا: لمعالجة حالات تخلف المدعي أو المدعى عليه عن حضور الجلسات فقد قررت المادة 18 من قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم، الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 190 وتاريخ 16/11/1409هـ على ما يلي: (يحضر الخصوم أو من ينوب عنهم في الدعوى الإدارية في اليوم المعين لنظر الدعوى، فإذا لم يحضر المدعي ولم يتقدم بعذر تقبله الدائرة جاز لها أن تفصل في الدعوى بحالتها بناء على طلب المدعى عليه، أو أن تأمر بشطبها، فإذا شطبت جاز للمدعي أن يطلب النظر فيها وتحدد الدائرة لنظرها موعدا تبلغ به المدعى عليه، فإذا لم يحضر المدعي ولم يتقدم بعذر تقبله الدائرة تشطب الدعوى ولا تسمع بعد ذلك إلا بقرار من هيئة التدقيق مجتمعة. أما إذا لم يحضر المدعى عليه فعلى الدائرة تأجيل نظر الدعوى إلى جلسة تالية يعلن بها المدعى عليه فإذا لم يحضر فصلت الدائرة في الدعوى، ويعتبر الحكم في جميع الأحوال حضوريا). ويتضح مما سبق أن الدائرة القضائية ملزمة بالفصل في الدعوى إذا تخلفت الجهة الحكومية المدعى عليها عن حضور جلسة سماع الدعوى مرتين متتاليتين رغم إعلانها بموعد الجلسة. وإن الحكم في هذه الحالة لن يعتبر غيابيا، بل حضوريا، وإن تخلف الجهة الحكومية المدعى عليها عن المثول أمام القضاء قد يترتب عليه الحكم بطلبات المدعي فتكون قد فرطت عن موقفها ومصلحتها.
إنشرها