السعودي «أزين»
في عدة مقالات سابقة، انتقدت استراتيجيات الإدارة الرياضية المتبعة في الأندية الخليجية عموماً، والسعودية على وجه الخصوص. كتبت مراراً وتكراراً عن ضبابية الرؤية لمستقبل كرة القدم وتحويلها من ''لعبة'' إلى ''صناعة''، وكتبت أيضاً عن العشوائية في التخطيط، التسرع في اتخاذ القرارات، الهدر المالي، الفهم الخاطئ لمفهوم ''الاحتراف''، وعن أمور أخرى تعرقل تطور الكرة السعودية وتقدمها في رحلة الوصول إلى ''النموذجية'' المنشودة. كنت دائماً ما أقارن ما بين (فوضى) الإدارة الرياضية في السعودية و(النظام) الإداري ''المثالي'' المطبق في الأندية الأوروبية، كما رفعت نداءات متكررة، كتابية وشفهية، لرؤساء الأندية السعودية، مطالباً إياهم بالاحتذاء بنظرائهم من ''الخواجات'' أصحاب البدلات الأنيقة وربطات العنق الملونة.
اليوم تحديداً، بعد البحث والتحري، واستخلاص الأدلة والبراهين. تبيّن لي أن (الشماغ والعقال) تاج على رؤوس الرؤساء من أبناء الصحراء، وأن رئيس النادي السعودي ''أزين'' من نظيره الأوروبي! كيف استنتجت ذلك؟ تابعوا القراءة كي تعرفوا.
لتقييم عمل إدارات الأندية السعودية ومعرفة مدى كفاءتها، لا بد من استعراض ومراجعة سلسلة القرارات التي اتخذتها تلك الإدارات وهي ترزح تحت الضغط الجماهيري والإعلامي، كون الإداري الجيد هو من يجيد إدارة الأزمات ويمتلك القدرة على اتخاذ قرارات عقلانية سليمة عند المرور بفترة من عدم الاتزان على مستوى الأداء والنتائج.
سقط الأهلي بثلاثية نظيفة من أولسان الكوري نهائي دوري أبطال آسيا وتعرض مدربه التشيكي جاروليم لنقدٍ فنيٍ قاسٍ، ومع ذلك جددت إدارة الأمير فهد بن خالد ثقتها بالجهازين الفني والإداري وعملت على حماية لاعبي الفريق من الضغط، كما استقبل الرجل الأول بالنادي الأهلي الأمير خالد بن عبد الله بعثة الفريق الأول العائدة من كوريا الجنوبية بخسارة ''ثقيلة''، فكان استقباله للاعبي الفريق بمثابة جرعة معنوية مكثفة أعادت لهم ثقتهم بأنفسهم. ولم تقف الإدارة الأهلاوية عند هذه النقطة، بل استمرت في العمل من أجل غدٍ أهلاوي أفضل عبر تدعيم صفوف فريقها بالتعاقد مع قائد المنتخب السعودي أسامة هوساوي القادم من أندرلخت البلجيكي ولم تعتبر خسارة النهائي الآسيوي نهاية المطاف.
وضع الاتحاد كان أكثر سوءًا من جاره وغريمه الأهلي، فقد فشل ''النمور'' في تخطي الدور نصف النهائي من البطولة ذاتها بعد خسارتهم لإياب ''الديربي الآسيوي'' أمام الجار اللدود الأهلي، وعلى الرغم من قسوة الخسارة ومرارة الخروج، لم تتخذ إدارة المهندس محمد الفايز قرارات انفعالية متسرعة كما اقتضت الأعراف والتقاليد السائدة في الأندية السعودية ''سيئة السمعة'' في التعامل مع المدربين، جدد الاتحاديون الثقة بمدربهم الإسباني كانيدا وحذوا حذو جارهم الأهلي بإبرام (صفقة الموسم) مع النجم الهلالي أحمد الفريدي في صفقة قياسية.
إدارة الهلال برئاسة الأمير عبد الرحمن بن مساعد كانت أكثر الإدارات تعرضاً للضغط الجماهيري والإعلامي بعد تبخر الحلم الآسيوي والخسارة من أولسان الكوري في الرياض، فما كان من الرئيس الهلالي إلا أن حمل نفسه المسؤولية كاملة، مما أبعد الضغط عن لاعبي فريقه ومدربهم الفرنسي كومبواريه، الوافد حديثاً إلى أزرق العريجاء، ووعد جماهيره بتعاقدات شتوية ''ثقيلة''، محلياً وأجنبياً، كما نجح أخيراً في تجديد التعاقد مع النجم الشاب سلمان الفرج والاستفادة من خدماته لسنوات إضافية، إلى جانب استمرار إدارة ''ابن مساعد'' في العمل على تجديد عقود باقي نجوم الفريق لضمان الاستقرار الفني والمالي في البيت الهلالي، مما يعطي مؤشر على استفادة الإدارة من أخطائها السابقة وتأخرها في حسم ملف التجديد لأسامة هوساوي وأحمد الفريدي.
في بقعة أخرى من العالم، خذلني ''الخواجة'' الروسي الذي كنت أراهن عليه، فقد اتخذ مالك تشلسي الإنجليزي رومان إبراموفيتش قراراً بإقالة المدير الفني الإيطالي دي ماتيو بعد خسارة تشلسي من يوفنتوس الإيطالي بالثلاثة، علماً بأن دي ماتيو قد تسلم زمام تدريب الفريق كمدرب طوارئ منتصف الموسم الماضي، ليتمكن بعدها من الفوز مع الفريق اللندني بكأس إنجلترا والظفر بلقب دوري أبطال أوروبا الذي استعصى على نخبةٍ من مدربي العالم ممن تعاقبوا على تدريب تشلسي، وعلى رأسهم البرتغالي مورينيو. لكن إنجازات دي ماتيو ''القياسية'' مقارنة بالفترة الزمنية التي أشرف فيها على الفريق لم تشفع له بالاستمرار، ولا أستبعد أن الملياردير الروسي اتخذ قرار الإقالة بعد أن تسللت ''نظرية المؤامرة'' إلى عقله فأوهمته بأن خسارة فريقه كانت نتيجة لتواطؤ دي ماتيو مع أبناء جلدته!
وعند الحديث عن الهدر المالي في الأندية السعودية ومقارنته بما ينفقه الأوروبيون، اكتشفت أن ''المبذر'' الروسي إبراموفيتش قد أنفق ما يعادل نصف مليار ريال سعودي للتعاقد مع ثمانية مدربين خلال ثماني سنوات، كان آخرهم الإيطالي (المقال من منصبه) دي ماتيو.
أنت فين والاحترافية فين يا إبراموفيتش؟! البس (ثوب) وتزين أمورك.
آخر فنجان:
بإمكان ''الناقد'' أن يستخدم يداً واحدة للإسهام في معالجة ظاهرة سلبية عن طريق الكتابة، وبإمكانه أن يستخدم كلتا يديه في التصفيق للظواهر الإيجابية.