أنا دفعت «فلوس»
.. مرحباً سعادة الرئيس
..فريقك يسجل نتائج سيئة
الرئيس: أنا دفعت «فلوس»!
.. تعاقداتك المحلية والأجنبية لا ترقى إلى طموحات جماهير النادي.
الرئيس: أنا دفعت «فلوس»!
.. ناديك يمر بأزمة مالية خانقة.
الرئيس: أنا دفعت «فلوس»!
جماهير ناديك تطالبك بالرحيل، فما تعليقك يا ريّس؟
الرئيس: أنا دفعت فلوس!
نعم، المال هو قوام صناعة كرة القدم الحديثة، وهو الوسيلة التي من خلالها يمكن إعداد الفرق القادرة على المنافسة وحصد الألقاب. وفي ظل اعتماد ميزانيات الأندية السعودية على الدعم المالي المقدم من الأفراد بذات القدر، أو أكثر بقليل من اعتمادها على الدعم المقدم من الشركاء الاستراتيجيين (الشركات)، فإن الملاءة المالية هي شرط أساسي لا بد من توافره فيمن يترشح أو يطمح لرئاسة أي نادٍ من الأندية المحترفة.
ولكن ذلك لا يعني بأن المال هو الأداة الوحيدة القادرة على صنع الإنجازات، ولا يعني كذلك بأن يتصرف رؤساء الأندية وكأنهم "صراف آلي" يدر أموالاً عند الطلب! فالمال إن لم يُدر ويوظف بالطرق المثلى، فإنه سيتحول إلى هدر، بالتالي يؤدي هذا الهدر تلقائياً إلى تسجيل عجز في ميزانيات الأندية والدخول في مآزق مالية، كما هو الحال في أندية "النخبة" السعودية التي ينفق رؤساؤها الأموال بلا حساب مع بداية فتراتهم الرئاسية، وفجأة ومع قرب انتهاء ولايتهم، يشكون الويل والثبور وعظائم الأمور، ويطلقون حملة مناشدات لأعضاء الشرف ومحبي النادي للتدخل وإنقاذ إداراتهم من الدين الخانق.. هكذا جرت العادة.
أؤكد مرة أخرى على أن المال هو قوام صناعة كرة القدم الحديثة، ولكي يكون للمال أثر ملموس على الكيانات الرياضية، يجب على مجالس الإدارات وضع سياسة مالية متزنة، تكون ثمرة قرار إداري صحيح متخذ بناء على رؤية واستراتيجية موضوعة من قبل خبراء ومختصين في مجالات التمويل، المحاسبة وإدارة الموارد المالية، فلا يعيب الرؤساء إن اكتفوا بتقديم الأموال اللازمة لتسيير أمور النادي، مع ترك استراتيجيات الإنفاق لجهاز تنفيذي توكل إليه مهمة تنفيذ السياسات العامة الموضوعة من قبل مجلس الإدارة. وبتطبيق هذا النظام، يتسنى لرؤساء الأندية محاسبة الأجهزة التنفيذية ومقارنة المصروفات بالإيرادات وبنتائج الفريق مع نهاية كل موسم، بالرجوع إلى السياسة العامة المتفق عليها مسبقاً بين الطرفين.
مفهوم الاحتراف في كرة القدم لا يعني ــ كما هو دارج في منطقتنا ــ تحويل اللاعبين الهواة إلى محترفين فحسب، بل يرتكز بشكل أساسي على الاحتراف الإداري. فكيف لإدارة غير محترفة أن تدير فريقاً محترفاً وفق منهجية صحيحة؟ الجواب ببساطة هو أن فاقد الشيء لا يعطيه!. الثراء وحده ليس كافياً لتمكين الأشخاص من إدارة الكيانات الرياضية، فلا قيمة للمال بلا فكر مؤهل لممارسة الإدارة الرياضية بجوانبها التنظيمية والمالية، ولنا في مالك نادي تشلسي الإنجليزي الملياردير الروسي رومان إبراموفيتش خير مثال، فقد تعاقد بعد شرائه للنادي (مباشرة) مع داهية الإدارة الرياضية في إنجلترا بيتر كينيون الذي كان له دور ضليع في تحقيق "الشياطين الحمر" للثلاثية التاريخية الشهيرة عام 1997، وأوكل إبراموفيتش إلى كينيون مهمة الإدارة التنفيذية لناديه الجديد، فيما اكتفى بمتابعة فريقه من المدرجات. لم يجلس إبراموفيتش على دكة البدلاء، كما هو الحال عند (ربعنا)، ولم يرد على منتقدي إدارته بعبارة "أنا دفعت فلوس" المفضلة لدى رؤساء الأندية في السعودية.
أخي الرئيس، النادي ليس ملكية خاصة أو شركة مقفلة.. النادي ملك لمحبيه وجماهيره. وكما أعطيت نفسك الحق باستجداء الدعم المالي من محبي النادي، وطلب المساندة الجماهيرية، فإن لمحبي وجماهير النادي الحق في انتقادك ومحاسبتك، بل إن حقوقهم لا تتوقف عند ذلك، حيث تصل إلى أحقيتهم في مطالبتك بالرحيل عن منصب الرئاسة إن فشلت في تحقيق ما وعدتهم بتحقيقه.
أخي رئيس النادي، إنفاقك على النادي (من جيبك الخاص) لن يحصنك ضد النقد، فلا يعقل أن نصفق لك فقط لأنك (دفعت فلوس)، فما فائدة ما أنفقت من أموال في حال وصول عدد الدائنين المطالبين بحقوقهم المالية من إدارتك إلى رقم يتجاوز عدد لاعبي فريقك؟ أو عند وصول حقوقهم المالية المترتبة على ذمة النادي إلى رقم يتجاوز المبلغ الذي أنفقته منذ استلامك للإدارة؟
أخي رئيس النادي، إذا كانت لديك الرغبة ببعثرة أموالك "الخاصة" بلا حساب ومن غير وجع رأس، أنصحك بالاتجاه إلى رياضات الأغنياء مثل الغولف، البولو، وسباقات الخيول، أو يمكنك استثمار أموالك في مزاين أم رقيبة! ونسأل الله لك التوفيق والسداد حيثما اتجهت.
آخر فنجان:
ليس مهماً كم أنفقت، المهم هو: ماذا أنجزت؟