المفتي: أيّها الحكام إنّ أمن شعوبكم أمانة.. فاعملوا من أجل الحوار والتفاهم
وجّه الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتى عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، في خطبة عرفة، أمس، رسائل موجزة مركزة لكل الأمة الإسلامية شعوبا وحكاما شبابا وشيوخا.
فقال لحكام المسلمين: "أيها الحكام إن أمن شعوبكم أمانة في أعناقكم، ائتمنكم الله على رعايتهم فاتقوا الله فيهم، وابذلوا كل جهدكم لتحقيق وصلاح حياتهم الكريمة ودفع معاناتهم، والسعي لما يحقق عيشتهم الكريمة كما يريدون وإنصافهم بالعدل، فإن العدل والإنصاف من أسباب تقارب القلوب وحل المشاكل".
وأكد أن "شريعة الإسلام قادرة على التوفيق بين الشعوب وبين الأفراد والحكام، ولا يخرج شيء من تعاليم الشريعة عن نطاق الإسلام، وأنه يجب علينا أن نحافظ على ديننا وألا نتنازل عن أي حق من حقوق الإسلام مهما كانت الأحوال، قال الله جل وعلا "ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ* إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ".
وتحدث عما يشهده العالم الإسلامي من أحداث فقال: "أمة الإسلام: إن عالمنا الإسلامي يشهد فتنا ومصائب ومآسي وسفك الدماء وتخريب ممتلكات.. لأن الوقع شديد، فواجب على حكام الشعوب الإسلامية أن يعملوا من أجل الحوار والتفاهم وحل الخلاف وإرجاء المختلف إلى أحكام الشريعة ونبذ الخلاف وحقن الدماء وعدم استعمال السلاح، وأن نحذرهم من مكائد أعدائهم الذين يحاولون زعزعة أمن الشعوب وحكامها لإثارة الطائفية البغيضة ولزعزعة الأمة وسلب أمانها واستقرارها، فالحذر الحذر من مكائد أعدائها".
وأكد أن ما ينجي الأمة من هذه المصائب أن تحيي التضامن والتعاون بين المجتمعات المسلمة، مشيرا إلى أن شهادة التوحيد جمعت قلوب المسلمين ووحدت شملهم، داعيا إياهم إلى البناء عليها من المحبة والمودة ووضع اللبنات فوق اللبنات لتتكاثر الوحدة بين المسلمين، وتبادل الخبرات بين بعضهم البعض في سبيل البناء الاقتصادي والتجارة والسياسة والعلوم العامة وكل ما يحتاجون إليه. ليكن التفاهم على المسائل المصيرية والهموم المشتركة والجهود تبذل في سبيل ذلك.
وقال آل الشيخ: "إن من الإيمان بالله تعظيم أنبياء الله - عليهم السلام - والإيمان بهم، وأن الله أرسلهم حجة للعالمين، وعلى رأسهم سيدهم وأكملهم وأفضلهم محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن إجلاله وتوقيره ونصرته من شُعب الإيمان. وقال تعالى: "لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا"، كما قال سبحانه وتعالى: "فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"، بعكس ذلك المستهزئون به من أناس انتكست حياتهم وخبئت ألويتهم يعيشون حياة بهيمية، وعقول مختلة وأفكار منحرفة زعموا العلم والتقدم.
واستطرد المفتي يقول: "أيها المسلمون، إن من الإيمان بالله أن تكون شريعة الإسلام مصدرا لأنظمة الأمة الإسلامية في سياستها الداخلية والخارجية والاقتصادية والتعليمية، وأن الشريعة حاكمة على جميع شؤون الحياة صالحة لكل زمان ومكان ولا يجوز معارضتها بأي تشريع مهما كان مصدره، ولا أن تكون أحكامها القطعية مجالا للنقد وأخذ رأي الناس حولها بل كلها إلى شرع الله، وبطل ما سواه "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ". وقال: "إن يكن شرذمة من البشر تحاول الطعن في هذا الدين بحجج واهية وشعارات زائفة وقالوا وطعنوا في مسلماته وثوابته بدعوى الحرية.. زعموا أن الدين لا يصلح لهذه الحالات لاختلاف الأحوال، واعترضوا على القصاص والحدود لأنها تنافي حقوق الإنسان، واعترضوا على المرأة ورفع منزلتها وحمايتها لأنها ليست من التساوي من شيء، وزعموا أن الأمة الإسلامية إذا طبقت الشريعة انطوت عن الأمم الراقية وتقوقعت في نفسها".
وسأل سماحته الله - عز وجل - أن يمن على الشباب بالثبات على الحق، مبرزا أهمية التوعية الصادقة وتحذير الأمة من هذه الوسائل المدمرة، وخاطب شباب المسلمين: "أيها الشاب المسلم؛ تحمل قوة جسمية وقوة ثقافية وأعراضا جياشة فاتق الله واستعملها في طاعة الله، ولتكن لك شخصية متميزة وشخصية التمسك بالدين والدعوة إليه، وأحذر التميع وتقليد الآخرين".
ووصف آل الشيخ، المال، بعصب الحياة وتقدمها وحل مشاكلها، مطالبا أرباب الثروات وصناع القرار بأن يرشدوا الأمة الإسلامية إلى أين تصرف هذه الأموال، وأن تكون في مشروعات داخلية لتقوية اقتصادها واقتصاد شبابها.
وقال: "إن هناك أموالا مودعة لبعض أبناء المسلمين في غير الدول الإسلامية، مما ساعد على نمو اقتصاد وتقدم هذه الدول، فلو كانت تلك الأموال في بلاد الإسلام لأدت لنمو اقتصادها وإقامة مشروعات علمية واقتصادية تفيد الأمة، وهذا الأمر الذي نستطيع بواسطته أن نعالج الفقر والتخلف والبطالة"، محذرا من المعاملات الربوية، قال تعالى "يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ".
وحث مفتي عام المملكة حجاج بيت الله الحرام على شكر الله فقال: "أنتم في يوم عرفة هذا اليوم العظيم أفضل أيام الله على الإطلاق فاحمدوا الله على هذه النعمة، فهذا يوم أقسم الله به في كتابه العزيز بقوله تعالى "وشاهد ومشهود"، وهذا يوم العتق من النار، يقول - صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: "ما أراد هؤلاء"، وحثهم على الإكثار من الدعاء في هذا اليوم، فخير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قال الأنبياء يوم عرفة - لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. في عشية هذا اليوم يباهي الله بهم من في السماء "انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً طاهرين، أشهدكم أني قد غفرت لهم"، فاجتهدوا في مثل هذا الموقف العظيم، في عرفة، من طلوع الشمس إلى غروبها، صلوا بها الظهر والعصر جمعاً وقصراً، ثم انصرفوا إلى مزدلفة وصلوا فيها المغرب والعشاء. وقال: "أيها الحاج تب إلى الله في هذا اليوم من جميع الذنوب، فتب إلى الله من جميع سيئاتك وخطاياك مهما كبرت وعظمت". إثر ذلك أمّ سماحته جموع حجاج بيت الله في مسجد نمرة لأداء صلاتي الظهر والعصر قصرا وجمعا.