إيران.. «الصادرات الثورية» بلا عوائد

البعض يتحدث عن مستقبل مجهول للاقتصاد الإيراني، خصوصاً مع ازدياد حدة العقوبات الغربية على نظام علي خامنئي، التي كان آخرها جولة أوروبية جديدة من العقوبات قبل يومين، ركزت على المصارف وصادرات الغاز والتبادل التجاري. والحقيقة أن مستقبل هذا الاقتصاد معلوم لا مجهول، وإن وجد البعض الآخر أنه لا مستقبل أصلاً لهذا الاقتصاد، خصوصاً مع التردي المتسارع له، في ظل سياسة عناد فريدة من نوعها، يتبعها حكام إيران، رغم كل المؤشرات (بل الأدلة) على أنهم يعمقون الحفرة التي أوقعوا أنفسهم فيها. أما لماذا المستقبل معلوم؟ فلأن الدلالات واضحة، والمعطيات ماثلة على الساحة، والعواقب مفهومة، والتداعيات متفاعلة. ولأن الأرقام لا تترك مجالاً للتأويل؛ لأنها تجيب بالحقائق كما هي.
قبل العقوبات الغربية المفروضة على إيران الرافضة للتعاون بشأن مشروعها النووي المريب، لم يكن اقتصادها جيداً، بما يضمن لها المقاومة. ولم يكن يوماً شديد المناعة، باستثناء الفترة التي أعقبت ''ثورة الخميني''، عندما كان يتمتع (الاقتصاد) بمناعة ما. لكن سرعان ما قضمت ''الثورة'' مناعته، لأسباب عديدة، من بينها، تخبط في السياسة الاقتصادية لإيران التي يفترض أنها ''إيران الجديدة''. ومع انطلاق ''الصادرات الثورية''، انتهى ما تبقى من المناعة. لماذا؟ لأنها ''الصادرات'' الوحيدة في العالم لا عوائد لها، إلا إذا اعتبرنا أن ''دغدغة'' الأحلام من العوائد والمكاسب، التي تستحوذ على القيادة الإيرانية. لم تضع هذه القيادة النمو على رأس الحراك الاقتصادي الوطني. والمثير أنها نسيت أن تستثمر في القطاع النفطي الذي يوفر لها 80 في المائة من القطع الأجنبي! إلى درجة أن علا الصدأ آلياتها الإنتاجية.
مع إصرار خامنئي (ومعه أحمدي نجاد) على معاندة العالم بالمشروع النووي، ورفضه حتى الحلول الوسط في هذا المجال، كان سلاح العقوبات حتمياً. اليوم يخسر الاقتصاد الإيراني قرابة خمسة مليارات دولار أمريكي شهرياً، من جرّاء العقوبات، وسترتفع الخسارة مع كل جولة جديدة منها. والإيرانيون الذين كانوا يردّدون وراء خامنئي بـ ''أن مسؤولية تدهور الاقتصاد يتحمّلها أعداء إيران، بما في ذلك مسؤوليتهم عن الغرق المتواصل للعملة الوطنية''، توقفوا عن الترديد، وبدأوا بتوجيه الأسئلة المباشرة، وفي مقدمتها، هل حقاً تقع المسؤولية على الأعداء؟ هؤلاء انطلقوا إلى عالم المقارنة بين حالة اقتصاد بلادهم قبل 23 سنة، وحالته الآن، وهو أمر فيه من المخاطر السياسية والشعبية، أكثر مما فيه من مخاطر اقتصادية. لنتذكر الاضطرابات المتتالية التي حدثت أخيراً في أكثر من منطقة، والمرشحة للتزايد والتوسع، مع كل ضغط (ونقص) معيشي على المواطنين. فحجم الإنتاج النفطي تراجع إلى أكثر من 60 في المائة (انخفض من 2,5 مليون برميل يومياً إلى 800 ألف برميل)، والاحتياطي المالي انخفض قرابة 38 في المائة، والبطالة ترتفع بصورة مخيفة، ومعها نسبة الجوع في البلاد. والفائض المالي الذي كانت تتمتع به البلاد في السنوات الأولى التي تلت ''الثورة''، لم يتبخر فحسب، بل لا مجال للحلم بعودته، الأمر الذي رفع تلقائياً حجم الدين العام، والتحويلات المالية شبه متوقفة. ضمن هذا المشهد، خسر التومان قرابة 78 في المائة من قيمته أمام الدولار الأمريكي.
إنها مأساة اقتصادية تتكرّس يوماً بعد يوم، بينما لا يزال من يصنع القرار في إيران، يعتقد أن سياسة العناد ستؤتي ثمارها، وأن الشعب الإيراني سيبقى مصدقاً لأوهام لا دخل له بها، وداعماً لـ ''صادرات ثورية'' مجزية العوائد، وقابلاً لـ ''أناشيد'' تحمّل المسؤولية للغير. لقد أودت ''سياسة العناد'' بأنظمة قيل إنها لا تقهر على مر التاريخ. والمأساة (أي مأساة) لا يمكن مواجهتها إلا بالحقائق. والحقيقة في إيران ليست في مصلحة مَن يصنع قرارها الوطني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي