الجدار القصير

.. كل فئات المجتمع الرياضي تطالب بالنظام والقانون، وعندما يطرق القانون أبوابهم يقابلونه بوجوه عابسة وحواجب معقودة، وألسنة ثقال حداد تردد: الآن قانون؟ الآن.. أين كنتم عندما كان النادي ''إياه'' يمر بالظرف ذاته.
.. في تناقض سافر، يجد المطالبون بالقانون المحتجون على وجوده لاحقا، يجدون في مجابهة النظام تحقيقا لذواتهم، وإعلانا لقوة شخصياتهم أمام أنصار أنديتهم وتجردا من المثالية السلبية والضعف، وهروبا من التصنيف تحت قائمة ''أهل الجدار القصير''، وهؤلاء جماعة وهمية لا تعرف أسماء المصنفين تحتها، ولا صفاتهم ولا مكانهم ولا رئيسهم، ويتم التبرؤ من هذه الفئة التي لا تعرف هل هي ضالة أم مضللة، بصوت عال وعينين ''مفنجلتين'' أمام الأنصار، وبابتسامة خبيثة أمام المنافسين، على غرار ''إياك أعني واسمعي يا جارة''.
كل هذه المقدمة، لأقول لكم: إن ما يحدث الآن بين الاتحاد والأهلي في قضية تقسيم الجماهير، قضية تافهة، تثبت أن القانون لدينا شخص يمشي على قدمين، يتأثر بمن حوله، يطول ويقصر بحسب من يقابله، ما رسخ ثقافة سلبية في مجتمعنا الرياضي، أصبحت ترى انتزاع أي شيء عنوة، شجاعة، والتراجع احتراما للقانون خوفا وجبنا، يؤديان بصاحبهما إلى صدارة جماعة الجدار القصير.
لا أجد مبررا واضحا لهذا الاختلاف بين الناديين، وجماهيرهما على مقاعد مباراة الذهاب التي يستضيفها الاتحاد بعد أسبوعين، وأرى الطريق واضحا بينهما للاتفاق، إلا إذا كان الجانبان قد نسيا أن هناك مباراة رد أيضا ستلعب في الملعب ذاته آخر أيام الشهر الجاري.
الحل يقدم نفسه بوضوح لمن يرى، وفق القاعدة الدبلوماسية ''المعاملة بالمثل''، إذا رضي الاتحاديون بالتقسيم في مباراتهم الأولى، فسيرضى الأهلي بالمثل في مباراته الثانية، ولا يحتاج مسؤولو الناديين إلى قدر كبير من الذكاء لمعرفة أن هذا الطريق فيه مصلحة مشتركة لهما، وإن أراد أحد الجانبين تفعيل القانون دون اتفاق يستثنيهما فلا تثريب عليه. أين المشكلة إذا..؟
المشكلة أن أصواتا تحتل الصفوف المتأخرة في الناديين، تريد أن تثبت لمن يقابلها في المعسكر الآخر أن مدرجها هو صاحب الشعبية الأقوى في جدة، وأن ناديها القطب الأوحد، وأن ما سوى ذلك طارئ لا يستحق الاحترام، وهذه ثقافة إقصاء وجدت حيزا وداعمين جهلة في ظل غياب الوعي، وانعدام قادة الرأي الحقيقيين في المجتمع الرياضي، إلا من قلة تعبت منازلة الجهل وركابه.
قضية صغيرة جدا، تطورت إلى خطابات بين الاتحاد المحلي والقاري، وإلى نقاشات توسعت وضمت من ضمت، ولا أحد يشير إلى احترام القانون بين كل الذائدين عن حياض الناديين.
إخراس هذه الأصوات المزعجة، يحتاج إلى هبّة سريعة من العقلاء في الناديين، يغلقون بها كل الأبواب المسربة لها، ويقدمون في لقائهم احتراما واضحا للنظام، ويضطلعون بمسؤولياتهم القيادية تجاه المدرجين الأصفر والأخضر.
الحياة أدوار، والعمل تخصص، وأحد أدوار رؤساء الأندية الكرام الأحبة، قيادة مدرجات أنديتهم بوعي، ردهم عن الظلم إن فعلوا، ونصرتهم إلى الحق إن أرادوا، ترسيخ احترام القانون، والمنافسين، ولن يتحقق هذا ما لم يتمسك المسؤول نفسه بهذه الأدبيات يدافع عنها ظالما أو مظلوما، وينأى بنفسه هواجس الانضمام إلى جماعة الجدار القصير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي