الحشرة المظلومة!
نظرة البشر للحشرات عموما وللخنفساء خصوصاً نظرة اشمئزاز وسخرية وخوف وترتبط في العقول بالأمراض ونقل العدوى، فالعرب يعتبرون أن جريها السريع على الرمال ينذر بوقوع الشر، والبريطانيون ينظرون إليها على أنها (ابنة الشر)، أما الإيرلنديون فيعتقدون أن مجرد النظر إليها قد يقتل الشخص!
ولكي يتقي المزارعون شرها يقومون بتعديل وضع الخنفساء المقلوبة على ظهرها لكي تذهب بعيدا وتأخذ شرها معها، ومن الغريب أن العالم الشهير داروين صاحب النظريات التي غيّرت اتجاه تفكير العالم (مع اختلافنا مع طرحه) إلا أنه يشارك في مثل هذه الخرافات ويقول: (كلما سمعت أن طفلاً اصطاد خنفساء شعرت بدنو الحرب)!
ولكن بالنظر إلى ما تقوم به هذه الحشرة العجيبة من خدمة للبشرية نقف عاجزين أمام قدرة الله وتمام خلقه، يقول الله في محكم آياته (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا). الخنفساء من أكثر المخلوقات تنوعاً على وجه الأرض حيث يصل عدد أنواعها إلى 300 ألف نوع، بينما يبلغ عدد أنواع الفقاريات والثدييات 43 ألف نوع فقط، ومن أكثرها نجاحاً في التلاؤم مع البيئات المختلفة، حيث استفاد منها البشر في تحسين حياتهم اليومية، فمن طريقة تسلقها للجدران الملساء وأوراق الشجر اكتشف العلماء المادة التي تساعدها على ذلك وهي مادة تشبه الصمغ ولكن بخصائص عالية يمكن الاستفادة منها في عمل لصقات الجروح ورقائق الكمبيوتر، ومن المادة اللزجة في معدتها أمكن تدمير الخلايا السرطانية للبنكرياس بنسبة 80 في المائة، ومن مادة تستخلص من ظاهر جسم الحشرة أمكن علاج الأمراض الجلدية، والخنفساء المعروفة محلياً "بالقبون" تغلى في الزيت وتقطر في الأذن لعلاج الصمم في مراحله الأولى.
أما الخنفساء الحمراء المعروفة بالدعسوقة Ladybird فقد أصبحت تربى في مزارع خاصّة لاستخدامها في القضاء على الحشرات التي تدمّر المحاصيل مثل "حشرة المن والسوس"، لذا أطلقت الولايات المتحدة الملايين منها في مزارع البرتقال في كاليفورنيا للحفاظ على المحاصيل، كما اتخذت شعاراً لإحدى ماركات الملابس العالمية لدورها البارز! ويحاول فريق من "جامعة بون" الألمانية محاكاة أجهزة الاستشعار لدى الخنفساء السوداء التي تستطيع "سماع النيران" على بُعد عشرات الكيلو مترات بواسطة تلقي الأشعة تحت الحمراء الصادرة عن النيران، وبذلك يمكن استخدامها كأجهزة إنذار مبكر في حالة حرائق الغابات والمنازل فهي المخلوق الوحيد الذي يسعى للنار برجليه! لتغذية يرقاتها على الخشب المحروق!
وهي جاسوسة المستقبل، حيث توصل علماء أمريكان إلى مصدر للطاقة لم يخطر على بال أحد لتزويد أجهزة التنصت المتناهية في الصغر بالطاقة وتشغيلها وذلك بتحويل بقايا الطعام في معدتها إلى سكر، ومن ثم إنتاج إلكترونات (طاقة كهربائية) بعد تفاعلات كيماوية عدة داخل جسم الخنفساء!
أما أكثر من عرف قيمة هذه الحشرة وقدرها وعمل لها تماثيل من الذهب والأحجار الكريمة فهم الفراعنة لاعتقادهم أن طريقة حياة (أبو جعل) الصارمة تمثل دورة الحياة الأبدية، بل استخدموها كشكل في الكتابة الهيروغليفية واتخذت معنى (يصير) فأصبحت الخنفساء رمزا أبجدياً وفكرياً.