نادي القرن «الماضي»

أعود لصحيفة ''الاقتصادية'' الغراء ولقرائها الأعزاء بعد إجازة صيفية طويلة امتدت لأكثر من 70 يوماً وليلة، كانت فرصة جيدة لالتقاط الأنفاس وتنشيط خلايا المخ المنهكة من كثرة الأحداث الرياضية وتتابعها، علاوة على أن مراقبة المشهد من موقع المُجاز المتحرر من الضغوط أعطتني رؤية أكثر دقة، ومكنتني من تقييم التطورات والمتغيرات بهدوء، وصولاً إلى تشكيل رأي خال من الثغراث. وبناء على ما سبق، لا يسعني إلا أن أقول.. كثر الله الإجازات!.
وسط زحمة الأحداث المتتالية، فرض السقوط المدوي للهلال في الدور ربع النهائي من بطولة دوري أبطال آسيا نفسه على الواجهة، ليس لأن (حلم) الهلال بالفوز بلقب البطولة قد تلاشى، وليس لأنه خسر بالأربعة في عقر داره فحسب؛ بل لأن ''الزعيم'' لا يستفيد من أخطائه المتكررة!. معظم الجماهير الهلالية أصيبت بصدمة يصعب استيعابها بعد النهاية الكارثية لمغامرة فريقهم القارية، ولا لوم عليهم في ذلك بعد أن وضعت الإدارة في رؤوسهم فكرة سهولة تحقيق اللقب الآسيوي الغائب عن خزائن النادي بنسخته الجديدة، علماً بأن هذه الفكرة لا تمت للواقعية بصلة وغير قابلة للتطبيق الفعلي في الموسم الحالي على الأقل!.
لست هنا بصدد العزف على وتر العاطفة الجماهيرية واستثمار الإخفاق لتسويق فكرة ما، ولو أردت ذلك لنشرت مقالاً ''بكائياً'' صاخباً في صباح اليوم التالي للمباراة للاستفادة القصوى من الأجواء المشحونة الغاضبة والساطخة من الإدارة والمدرب واللاعبين، إنما لا بد من فتح الملفات ومراجعة الحسابات. بيان الرئيس الهلالي لجماهير ناديه وعلى الرغم من تضمنه لجملة واقعية طال انتظارها تؤكد صعوبة تحقيق البطولة الآسيوية، إلا أنه لم يكن بياناً شافياً وافياً يبرز مكامن الخلل ويبين أسباب إخفاق الفريق في الوصول إلى مراحل متقدمة من منافسات دوري الأبطال.
مشكلات الفريق الفنية عديدة، أفضل تركها لأصحاب الاختصاص، مع التأكيد على أن هذه المشكلات لم تأتِ مع كومبواريه من باريس، بل هي المشكلات ذاتها التي يعانيها الفريق منذ الموسم الماضي، أي قبل قدوم المدرب الفرنسي، ولم تنجح إدارة الهلال في معالجتها بالشكل الصحيح، إضافة إلى التغيير الكبير الذي طرأ على صفوف الفريق بنسبة تتجاوز الـ 60 في المائة من التشكيلة الأساسية بسبب رحيل عدد من نجومه المحليين والأجانب لأسباب مختلفة من ناحية، وبروز عدد من اللاعبين الواعدين من ناحية أخرى. مثل هذه الظروف قد تحدث مع أقوى فرق العالم وتؤدي إلى المرور بفترة مؤقتة من عدم الاتزان، لكن الإدارة الواعية هي التي تتعامل بواقعية مع ظروف فريقها وتركز على بناء فريق جديد قوي قادر على خوض المنافسات القارية وموازنتها مع الاستحاقات المحلية، إلا أن إدارة الهلال فعلت عكس ذلك تماماً وراهنت على الفوز بأقوى بطولات القارة بفريق ''قيد البناء'' ! فلا ذنب لكامبواريه حديث العهد مع الهلال بالخروج من البطولة الآسيوية بقدر ذنب الإدارة التي رفعت سقف طموحاتها كثيراً، وسرت على مبدأ ''الجمهور عاوز كده''!.
المنافسة على البطولات القارية تتطلب إعداداً شاقا وطويلا لفريق صلب، متوازن ومتجانس يعتمد على لاعبين قادرين على العطاء لسنوات مقبلة مثل شباب الهلال مع الاستناد على أعمدة من لاعبي الخبرة في كل خط من خطوط الفريق كما هو الحال في السد القطري بطل النسخة الماضية من دوري أبطال آسيا الذي ظفر باللقب بفضل خبرة حارس المرمى محمد صقر والثلاثي الأجنبي (نيانج - كيتا - بلحاج)، إضافة إلى تألق القطري خلفان إبراهيم. الحال ذاته ينطبق على تشيلسي الإنجليزي الذي حقق بطولة دوري أبطال أوروبا الأخيرة بفضل خبرة لاعبيه (تشيك - تيري - لامبارد) وتألق نجمه الإيفواري دروجبا، وهذه الخاصية لا تتوافر في فريق الهلال في الفترة الحالية، حيث اتضحت قلة خبرة الفريق عند انهياره كلياً بعد تلقيه هدفين في الشوط الأول من مباراته الأخيرة أمام أولسان الكوري الجنوبي، ناهيك عن عدم وجود قائد حقيقي للفريق داخل الملعب قادر على انتشال اللاعبين من الحالة الانهزامية التي اعترت أداءهم. وفي سيناريو مشابه لما حصل في مباراة الهلال مع ذوب آهن في استاد الملك فهد، دخل فريق الهلال إلى ''الملز'' بسيقان مرتجفة! بما لا يدع مجالاً للشك بالقصور الإداري البالغ من ناحية الإعداد النفسي للفريق قبل المواجهات الحاسمة.
يجب على من يطمح إلى الفوز بالبطولة الآسيوية أن يعي أن شكل المنافسة في آسيا قد تغير، وأن الفجوة بين أندية غرب القارة وشرقها قد اتسعت أكثر لمصلحة الشرق، ففي الوقت الذي تحظى فيه أندية شرق القارة بدعم من شركات عملاقة مثل ''هيونداي'' الكورية الجنوبية و ''سوميتومو'' اليابانية، مازالت الأندية السعودية تستجدي كرم وسخاء أعضاء الشرف أطال الله في أعمارهم!. فرق شرق القارة تتطور وترتقي ونحن لا نكف عن الدوران في حلقة مفرغة من الألقاب والشعارات، فهذا يقول ''العالمية.. صعبة قوية'' وذاك يقول ''النادي المحلي'' وآخر يرد عليه بـ ''نادي القرن''.. وعلى الجانب الآخر هناك حرب مستعرة إعلامياً على لقب ''النادي الملكي'' ! ومع كل هذه المعارك المصطنعة نريد خطف البطولات من أصحاب الأعين الضيقة في الملعب؟ حسناً.. نحن أبطال الكلام خارج الملعب.
آخر فنجان:
أول خطوة في طريق العودة إلى منصات آسيا هي الاقتناع بأن الهلال هو نادي القرن ''الماضي''..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي