«جلد ما هو جلدك جره على الشوك»

من الأمور التي تدعو إلى القلق العبء الذي ستواجهه المملكة في الحفاظ على البنية التحتية التي أنفقت فيها المليارات من الريالات سواء عن طريق الصيانة الوقائية أو عقود الصيانة والتشغيل لهذه المنجزات. توجه إلى أي بقعة من وطننا الغالي ستجد مشاريع بالعشرات، وعلى مختلف أصنافها وأنواعها، من مشاريع الصرف إلى الكهرباء وصولا إلى مشاريع العمران والبناء، إلى مشاريع الطرق والرصف وتجميل المدن. وهذه المشاريع تنقسم إلى قسمين إما أن تكون حديثة وجديدة لتخدم التوسع العمراني الشامل والعام لكل مدن ومحافظات بلادنا الحبيبة، وبالتالي تخدم النمو السكاني المتزايد. وإما أن تكون هذه المشاريع لإعادة بناء البنية التحتية وتحديثها. في هذا السياق يتم صرف المليارات سنويا على هذه المشاريع، ويقول أحد التقارير الاقتصادية إن المملكة تقوم بتطوير البنية التحتية، حيث تعد الأكبر في الخليج، وأؤكد أنها الأكبر ليس على مستوى الخليج والوطن العربي وحسب، إنما على مستوى الشرق الأوسط، حيث إن تكلفة هذه المشاريع تجاوزت قيمتها مئات المليارات، بل إن هناك توقعات أن قيمة العقود التي ستبرمها المملكة خلال عام 2013 ستتجاوز 80 مليار دولار، أي بزيادة تقدر بنحو 36 في المائة على إجمالي قيمة المشاريع في عام 2011، وهذا يجعل المملكة تحتل المركز الأول في منطقة الشرق الأوسط من حيث الفرص الاستثمارية لشركات المقاولات والموردين ونحوها. الذي أريد أن أصل إليه من خلال هذا التمهيد هو أن أوضح الصرف الهائل والكبير على مشاريع البنية التحتية في المملكة سواء بتحديثها أو ببناء مشاريع جديدة، وبالتالي فإن هناك عشرات المشاريع شهريا تدخل نطاق العمل دون أن ننتبه أو يكون هناك إعلام كاف لرصدها، ويتم تشغيلها لتبدأ تقديم الخدمات للمواطنين على هذه الأرض، إلا أن مما يؤسف له، أنه بعد مرور عدة أشهر تجد مثل هذه المشاريع خاصة الجديدة منها في حاجة إلى إعادة صيانة وترميم.
اليوم ما إن ينتهي المشروع حتى نشاهد البدء بترميمه بطرق وأساليب تفقد المشروع جمالياته وجودته، وهذه المعطيات تقدم لنا مؤشرات واضحة على سوء التنفيذ وجودة الإنشاء، فلنشاهد ما يحدث الآن في طريق الملك عبد الله من ترميم وترقيع وتأخير، وفي الوقت نفسه ما يحدث في الأكتاف الترابية والأرصفة للطرق الدائرية من هتك وتكسير وتآكل ومن إهمال في صيانة إنارة الشوارع وغيرها من الأمور التي لا تعد ولا تحصى، ما يدعو للإحباط مقارنة بدول أخرى لا تملك مثل إمكاناتنا المادية ومع ذلك ترى العكس والاستدامة والصيانة والوقائية للاهتمام بجودة وكفاءة الصيانة بوجه عام.
اليوم إضافة إلى جانب الهدر والإهمال وضعف الكفاءة لشركات الصيانة والتشغيل نجد بعض المواطنين والمقيمين على حد سواء يسهمون في إتلاف وتحطيم الطرق والأرضية والأماكن العامة والبعض يركب بسيارته فوق الأرصفة ويصدم ويكتب على اللوحات وكأن هناك عداوة وكرها بينه وبين كل منجز وطني عام أو منفعة وطنية، مثل هذه الثقافة السلوكية والفكرية غير السوية تجاه حب الوطن ومكتسباته تدعو للقلق على هذه المكتسبات والحفاظ عليها وتنميتها.
وفي آخر المطاف فالمحور الرئيس في عملية حب مكتسبات الوطن هو المواطن سواء كان صاحب مؤسسة أو شركة تشغيل وصيانة أو مهندسا يراقب المشاريع والصيانة أو مستهلكا لهذه البنى التحتية والخدمات.
إذن نحن في حاجة أولا إلى شركات حكومية فعلية تقوم بمهام الصيانة والتشغيل والإشراف والرقابة، لا على مؤسسات تجمع عمالتها غير المؤهلة من الشوارع، ويأتون تحت بند الصيانة والتشغيل وهم لا يجيدون تركيب فيش كهربائي، فضلا أن هذه العمالة تعمل من دون نفس ومحبطة بسبب طول ساعات العمل، والغالبية يعملون في أكثر من عمل لدى الأسواق المركزية والمولات وغيرها وبشكل غير نظامي من أجل مبالغ مالية يعيشون منها بسبب النظرة الاستنزافية من شركاتهم لهم. وأخشى أن ينطبق على الموطن صاحب شركة الصيانة أو المواطن المستفيد المثل الشهير ''جلد ما هو جلدك جره على الشوك''.. والمشكلة أن الجلد لهذا المواطن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي