Author

سورية ليست معركتنا

|
أشعر أحيانا أننا نمارس السياسة مثل متفرجين في ملعب كرة. 30 لاعبا يصنعون الحدث، وآلاف الناس على المدرجات يهتفون لهذا الفريق أو ذاك. في نهاية اللعبة يفوز طرف فيحصد المال والشهرة، أما آلاف المشجعين فيخرجون من المولد بلا حمص كما يقول المصريون. لا يكسبون شيئا من الغنيمة، ولا أحد يسأل عنهم. خلاصة مكسبهم "شعور" مؤقت بأنهم كانوا إلى صف المنتصر أو المهزوم. الأغلبية الساحقة منا متفرج على لعبة السياسة. ثمة 20 أو 30 لاعبا يتصارعون في ميادينها، فيكسبون المال والسلطة والقوة. أما نحن، ملايين الناس، فتتقطع أعصابنا وحناجرنا تأييدا لهذا الفريق أو ذاك. ندفع المال، ونصارع إخوتنا وأصدقاءنا، لكن حصتنا في نهاية اللعبة تتلخص في "شعور" بأننا وقفنا إلى جانب الأقوياء، مثل طفل يقاتل كي يحصل على صورة مع ممثل مشهور. خلال الأيام الماضية امتلأت صحافتنا بالتحذير من تصاعد المشاعر الطائفية بين الشباب. تحذيرات جاءت كرد على التجييش المتصاعد للمشاعر في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من دوائر اللقاء بين الناس. نشعر جميعا بالألم للتدهور المريع في أخلاقيات العلاقة بين أبناء الوطن، لكن ما نشهده اليوم ليس حدثا جديدا. مجتمعنا مدمن على خوض معارك الآخرين من مقاعد المتفرجين. كنا دائما الطرف الذي يمول الآخرين ويشجع الآخرين ويختلق التبريرات للآخرين. فعلنا ذلك في أفغانستان، وفي البلقان وآسيا الوسطى، وفعلناه في العراق، ونفعله اليوم في سورية، وسنفعله غدا في بلدان أخرى. ستنتهي الأزمة في سورية وتهدأ النفوس، مثلما حصل في سابقاتها. لكن ما يستحق التوقف هو سلوك بعض النخبة، من كتاب ودعاة وناشطين، اتخذوا التجييش الطائفي مصعدا للنفوذ الاجتماعي. هذا سلوك ينطوي على مخاطرة شديدة قد تطيح بوحدة البلد وسلامه الاجتماعي واستقراره. تستطيع استعمال فنون البلاغة كلها في تجييش مشاعر المتفرجين. لكن هل ستتحمل المسؤولية عن عواقب هذا المسار.. انقسام المجتمع واندلاع الصراع بين شبابه؟ ما يحدث في سورية ليس معركتنا، وما حدث في العراق وأفغانستان والبوسنة وآسيا الوسطى لم تكن حروبنا. غيرنا قرر الحرب وغيرنا سيكسب المعركة أو يخسرها. لسنا سوى متفرجين في ملعب لكرة القدم. فلماذا ننقل هذه المعارك إلى مجتمعنا؟ لماذا نحارب بعضنا في معركة قررها الآخرون؟. أليس بلدنا يكفينا، أليست مشاكلنا تكفينا؟ أي واحدة من أولوياتنا تمثل سورية أو غيرها؟ أهي مقدمة على تحدي البناء والتنمية والوحدة الوطنية والاستقرار في بلدنا؟ أيها المغامرون بوحدة الوطن ومستقبله وسلامه.. تأملوا في عواقب أفعالكم .. وخافوا الله في وطنكم ومستقبل شبابكم.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها