تأهيل وترخيص الكوادر البشرية الفنية المستوردة

عندما يستقدم أحدنا سائقا خاصا به يلزمه أن يقوم بتقديم أوراقه لإدارة المرور لإجازته وإعطائه رخصة سائق خاص قبل أن يتمكن نظاماً من أن يعمل بشكل رسمي، ويتعرض للعقوبة حال تجاوزه النظام، وذلك لأهمية تلك الإجراءات في الحفاظ على سلامته وسلامة الركاب والسائقين الآخرين والمشاة في الشارع. لكن لا تطبق مثل هذه الإجراءات والمعايير على العمالة المستوردة من فنيين يعملون في أعمال لا تقل أهمية أو خطورة عن قيادة السيارة كفنيي الكهرباء أو الميكانيكا وغيرهم. المشكلة، التي يلمسها معظم من يوظف فنيي إنشاء أو صيانة لإنجاز أعمال خاصة بهم، تتلخص في تدني كفاءة ومهارة العمالة الفنية المستوردة في السوق المحلية للقيام بالأعمال الفنية المطلوبة بشكل صحيح والأغلبية العظمى منهم اكتسبوا مهارتهم من الخبرة وما تعلموه في الحياة العملية فقط لا غير من دون تأهيل. إن عدم وجود إجراءات ترخيص عمل تضمن أهلية هذه الفئة من العمالة الفنية المستوردة للعمل في مجتمعنا يكلف المواطن المستفيد أموالا طائلة نتيجة سوء أدائهم عملهم، إضافة إلى خطورة ذلك على سلامة المنشآت ومستخدميها، كثير من هذه الفئة تعمل دون مؤهلات أو خبرة فنية، وتكون السوق المحلية الورشة الضخمة التي تؤهل وتدرب من دون مقاييس أو رقابة على حساب الاستثمارات المحلية والمواطن الذي لا يجد أمامه حلولا بديلة.
ستظل التنمية المدنية والصناعية مرتبطة ارتباطاً مباشراً بالكوادر البشرية الفنية المؤهلة، وستظل هي البنية الأساسية لأي مجتمع مدني صناعي متطور. إن التأهيل المهني لهذه الفئة أمر مهم وأساسي لدعم التطور المدني والصناعي ضماناً لجودة منتجات السوق وسلامة البيئة وحفظ المال. على سبيل المثال لا يسمح في الدول الصناعية لأي فني غير مرخص ومعتمد من الناحية الفنية من قبل جهات أو هيئات رسمية متخصصة، بالتعامل مع أجهزة التكييف والتبريد التي تحوي غازات التبريد ''الفريون'' دون أن يكون قد اجتاز شروط تأهيل محددة، وتعتبر مخالفة ذلك تجاوزا يعاقب عليه القانون، وأصبح المستهلك أو المستفيد يشترط على الفنيين الحصول على تراخيص وشهادات اعتماد للتأكد من قدرتهم على إنجاز العمل الفني بكل كفاءة واقتدار بعيداً عن الاستغلال.
إن الغرض من تأهيل وترخيص الفنيين هو التأكد من قدرتهم على العمل في التخصصات التي تتطلب معرفة ومهارات أساسية. مثل الميكانيكا، والكهرباء، والأجهزة الدقيقة، واللحام .. إلخ. حيث يؤخذ في الاعتبار التدريب النظري والخبرة العملية في مواقع العمل. ومن فوائد تأهيل وتوثيق مهارات الفنيين، مثالا لا حصراً، أنها تزيد من مصداقية الفني أو الجهة التي ينتمي إليها، خلق بيئة أكثر أمناً للعمل، المساهمة في تحسين المهارات والمعارف الفنية، وبالتالي رفع جودة الإنتاج والحفاظ على الاستثمارات وحفظ الأموال. نتطلع إلى ألا يسمح لأي فني بالعمل في السوق إلا عندما يكون مؤهلا نظريا وعمليا ويكون مرخصاً من جهة أو هيئة رسمية بمزاولة المهنة، وذلك حماية للمواطن والاستثمارات من العمالة المستوردة التي تدعي العلم الفني وتستغل غياب مثل هذه الإجراءات والأنظمة للكسب المالي السهل.
إن المتطلبات التشغيلية للمنشآت والمباني بأنواعها زادت من تعقيد بنائها وأنظمتها الفنية وطرق صيانتها، إضافة إلى متطلبات أنظمة السلامة والبيئة، وأصبحت تملي بالضرورة تطبيق أنظمة تأهيل وترخيص لهذه الفئة الفنية العاملة من جهات أو هيئات رسمية قبل مزاولتهم العمل .. اليوم وليس غداً!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي