Author

التخطيط العمراني والتنمية العمرانية

|
التخطيط العمراني والتنمية العمرانية مفهومان مختلفان في رسالتهما وأهدافهما ومهامهما ونطاق تغطيتهما للحيز الجغرافي أو المكاني والإنساني وشمولهما لمعطيات ومتطلبات المرافق والخدمات والتنسيق بينهما، ويخطئ العديد من المهتمين بهما في معرفة الفرق بينهما، وعندما يتحدث المختصون أو غير المختصين عن التخطيط العمراني فإنهم يصنفونه على أنه هو التنمية العمرانية، وكذلك عندما يتحدثون عن التنمية العمرانية يعتقدون أنها تعطي نفس المعنى والهدف والمهام مثل التخطيط العمراني علماً أن الفرق بينهما شاسع. التخطيط العمراني هو الاهتمام بما يتعلق بالتخطيط المكاني أو الفيزيقي كما يسميه البعض وهو مشتق من كلمة physicalplanning، ويعني ذلك رسوم شبكة الطرق وتحديد استعمالات الأراضي وأنظمة البناء ويرتقي عمل التخطيط العمراني إلى تحديد مستويات التخطيط ومسؤولياته مثل التخطيط الوطني والإقليمي والمحلي، ويكون في غالب الأحيان خطوطا عريضة للصورة التي يجب أن تكون عليها المدينة مستقبلا، وهذا التصور يتطلب استكمال أركانه الأساسية ذات العلاقة بتوفير البنية التحتية والخدمات العامة وغيرها من متطلبات المدن وسكانها مثل النقل العام والمشروعات الترفيهية، وإذا كان المخطط العمراني قد حدد الاستعمالات فإنه لا يصل إلى تحديد المتطلبات وفترات توفيرها وتوفير الدعم المالي لها وأسلوب التمويل والتنسيق بين القطاعات المعنية بها، وهنا يأتي دور التنمية العمرانية، والتنمية في هذا المجال يقصد بها الاهتمام بمتطلبات المكان والإنسان، والعمران هو عمران النفس والمكان بمعنى أن التنمية العمرانية تحقق ثلاثة متطلبات أساسية: تنمية مكانية، وتنمية إنسانية، وتوفير التمويل لتحقيقهما وإيجاد الأداة المعنية بذلك، وهنا يبرز الاختلاف الجوهري والأساسي في العلاقة بين التخطيط العمراني والتنمية العمرانية. التنمية العمرانية لا تستطيع أن تحقق أهدافها في ظل غياب الفهم الصحيح لدور ومسؤولية المستويات الإدارية ضمن منظومة وتركيب الدولة، فالأجهزة المركزية لها دور في تحقيق التنمية العمرانية، يتمثل ذلك في رسم السياسات التنموية والعمل على توفير التمويل اللازم لها، والإدارات أو الأجهزة المحلية معنية بترتيب الأولويات والتنسيق بين مختلف الأجهزة المحلية المعنية بتنفيذها، حيث تتم التنمية بشكل متواز ومتوازن وشامل، فعلى سبيل المثال لا يمكن تحقيق التنمية العمرانية السليمة إذا لم تكن الميزانيات المخصصة للبنية التحتية معروفة ومعتمدة ومبرمجة في تزامنها وقت التنفيذ، ومن ذلك مثلا شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والاتصالات ووضع القنوات الإنشائية لتنفيذها في فترة زمنية واحدة بدلا من كثرة الحفر والدفن الدائمة في طرقنا وشوارعنا، وبهذا القياس يتم التعامل مع كل متطلبات التنمية العمرانية، بينما يتعلق بمتطلبات المكان والإنسان. إن الاهتمام بمفهوم التنمية العمرانية والعمل على تعزيز دورها في الحقبة المقبلة والتأكيد على أهمية التوازن بين التخطيط والتنفيذ وتوفير التنسيق والتمويل لهما سيقلل كثيرا من الهدر المالي الذي نراه اليوم في توفير المرافق والخدمات ويعزز من الاستقرار السكاني والنمو المتوازن للمرافق والخدمات. إن الاهتمام بالتخطيط العمراني كوسيلة لرسم الصورة المستقبلية للتنمية والاهتمام بالتنمية العمرانية كأداة لتحقيق تنفيذ تلك الصورة وتوطين المشروعات وإيجاد فرص العمل سيدعم النمو والتنمية المتوازنة والشاملة لمختلف المدن والقرى ويقلل من الهدر المالي ويعزز من التنسيق بين مختلف الأجهزة المعنية ببناء المدينة وتنميتها ويحقق المفهوم السليم للمعنى الحقيقي للتنمية العمرانية، كما أن ذلك أيضا يساعد على معرفة بدائل تمويل مشروعات البنية التحتية والخدمات العامة بما يضمن توفير ذلك الدعم المالي ليس في حالة توفير السيولة في وزارة المالية، ولكن وفق الخطة التنموية المعدة مسبقا وبهذا نجعل الخطة هي التي تقود التنمية وليست الميزانية هي التي تقود الخطة كما هو معمول به في المملكة حالياً وهو ما عانت منه التنمية في فترات زمنية ماضية نتيجة انخفاض عائدات البترول وتعانيه اليوم نتيجة ارتفاع عائدات البترول. وختاما إذا أردنا تخطيطا عمرانيا مميزا وتنمية عمرانية شاملة ومتكاملة فإن الأمر يحتاج إلى أن نفهم الفرق بينهما وعدم تداخلهما أو قيام أي منهما بدور الآخر كما هو حادث اليوم، ولهذا فإننا نحتاج إلى التخطيط العمراني لتوجيه النمو وضبط استعمالات الأراضي وأنظمة البناء وتوجيه أولويات توفير المرافق والخدمات العامة ونحتاج إلى التنمية العمرانية لإدارة ذلك وتنسيق مخرجات المخططات العمرانية ووضع الآليات والميزانيات لتنفيذها وتوحيد الجهود في تنفيذ مختلف المشروعات الخدمية والاقتصادية، ولعل خير معين لنا لتحقيق الإدارة التنموية العمرانية السليمة هو دعم دور الإدارة المحلية وتحديد المسؤوليات والصلاحيات بينها وبين الإدارة المركزية. ولي - بإذن الله - عودة لإيضاح ذلك، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
إنشرها