دور التكنولوجية في تحقيق التنمية
تعد كلمة التكنولوجية من المصطلحات التي تواجه الكثير من الالتباس و التاويل ،اذ يستخدمها البعض كمرادف للتقنية في حين يرى آخرون اختلافا واضحا بينهما ،ويرجع أصل التكنولوجية الى الكلمة اليونانية التي تتكون من مقطعين هما(techno)تعني التشغيل الصناعي ،و الثاني (logos)اي العلم او المنهج لذا تكون بكلمة واحدة هي علم التشغيل الصناعي.
و في معرض الدراسة للبحث الصناعي و التجديد التكنولوجي أقام احد المؤلفين تفرقة بين فكرتي "الفن" و «التكنولوجية"، أما بالنسبة للأولى فإنها تشكل المنهج المستخدم في الإنتاج، و بالنسبة للثانية أي التكنولوجية، فإنها تشكل مجموع الخصائص المتعلقة بالمعدات و المنتجات و تنظيم الإنتاج.
كما أن التكنولوجية تساهم في تحقيق التنمية المنشودة،و خاصة عندما تستعمل كوسيلة لتنمية قدرات الانسان،وتمكنه من السيطرة على قوانين الطبيعة و تحقيقي الوفرة الإنتاجية،و التعجيل بالتقدم الصناعي و منه الاجتماعي،فهي تلعب دورا هاما في نشر الافكار و القيم الجديدة داخل المجتمع من خلال وسائل الاتصال المتوافرة .و امتدادا لهذا التصور ،فان هناك تيارات فكرية تعتبر التكنولوجية بمثابة مكسب انساني،ليست حكرا على مجتمع دون اخر.
و من ثم ضرورة القبول ببعض الجوانب التي تتماشى و الواقع الخصوصي،و تطوير بعض الممارسات المحلية بحيث لا تتناقض مع الجديد،و تعمل لصالح المجتمع بكل فئاته ،وفي هذا الاطار جدير بنا التمعن في التجربة اليابانية التي استطاعت ان تستوعب كل معطيات النموذج الغربي المادية مع الاحتفاظ بمقومات الشخصية اليابانية و حافظت على قيم المجتمع الياباني بكل خصوصياته. و لقد تطورت التكنولوجية بشكل مذهل و سريع جدا و خاصة في العقود الاخيرة اين اصبحت تتميز بخصائص و سمات لم تستطع تحقيقها طوال الفترات السابقة و خاصة بعد ان لاقت اقبالا من طرف ابناء المجتمع في استقطابها و الاعتماد عليها لتحقيق حاجياتهم و مطالبهم و خصوصا بعد تحقيقها لمشاريع تنموية ضخمة،وفتحت مناصب شغل جديدة و خاصة للاطارات و ذوي الكفاءات المهنية و التعليمية،و بهذا اصبحت العلاقة بين الفرد و التكنولوجية علاقة جد وطيدة و متبادلة
ف و.مور يعتقد ان التكنولوجية تمثل قمة التطور و التقدم،مؤكدا على أنها اهم مظهر للتحديث،باعتبارها قاعدة الاقلاع الاقتصادي التي تؤدي الى زيادة الانتاج و ما يتبعه من ممارسات اجتماعية كالدقة و الانضباط و المواظبة ،ناهيك عن تغير الثقافة و العادات و القيم،ليتحول المجتمع الى حالة افضل مما كان عليه،وذلك بفضل الوسائل التكنولوجية الحديثة .
في حين اعتبرها والت روستو في بيانه اللاشيوعي عند ذكره للمراحل الخمس لتطور المجتمع ،انها القوة الدافعة نحو التنمية و العامل الرئيسي للنمو الاقتصادي،و اعتبرها النقطة الجوهرية في تغيير العديد من المجتمعات العالمية الى الاحسن مثل بريطانيا و الولايات المتحدة الامريكية .
يتبن من خلال هذه الأطروحات الفكرية إجماعها على ان التكنولوجية قد ساهمت فعلا في إحداث تغييرات جوهرية أصابت تحديدا أهم ملامح المصنع،و ذلك بفضل ما فرضته من ايجابيات على جميع المستويات.
دور التطورات التكنولوجية في تحقيق التنمية :
إن العلاقة بين التكنولوجيا قائمة لا محالة, فأول بحث أو دراسة علمية أبرزت ذلك كانت قد خصصت الاقتصاد الأمريكي في سنوات الخمسينات, ثم تلتها بعد ذلك دراسات اقتصادية كلية و جزئية أخرى ساندتها بنتائج مماثلة.
اذن تمثل التكنولوجيا ناتج التطور الكمي والنوعي عبر العصور، ولذلك فهي تمثل ظاهـرة اجتماعية واقتصادية ومفهوم حضاري متكامـل يكون الإنسان محوره وموقع الأسـاس فيه. وهذا يجسده المخطط في الشكل التالي:
التطور التكنولوجي(زاوية التكنولوجية)=التكنولوجية المجسدة/التكنولوجية غير المجسدة=معرفة الاداء د(زمن)/معرفة الزمن د(الزمن)
و يقصد بالتكنولوجية المجسدة (الخشنة):تلك التي تتجسد إما في العمالة ،أو في المعدات و الآلات و التجهيزات الرأسمالية بل وفي السلع الاستهلاكية المعمرة.
اما التكنولوجية الغير مجسدة(الناعمة): و تتمثل في المعرفة و تحويل خلاصات البحوث العلمية المبتكرة الى تطبيقات علمية و عملية مفيدة في النشاطات الاقتصادية و الاجتماعية .
فخلال القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين ،كان الاقتصاديون يخشون ان يتوقف النمو الاقتصادي بسبب تناقص عوائد طاقات الاراضي المحدودة الضرورية لإطعام الشعوب المتزايدة،بداية ،ثم بسبب تناقص عوائد موارد الطاقة و المعادن الشحيحة،ولكن نجحت الابتكارات التكنولوجية التي لا حصر لها على الدوام في نفي هذه التوقعات المتشائمة.كما سمحت التطورات التكنولوجية ايضا للمستهلكين عبر العالم بالتمتع بمجموعة من السلع و الخدمات الجديدة التي لم يكن احد ليتخيلها من قبل قرنين من الان.و يرسم شرر الطريق التي تعرف الاقتصاديون من خلالها الى الدور الحاسم للابتكار التكنولوجي في تحقيق النمو الاقتصادي،و يبين كيف تغذي التطورات في المعرفة و التكنولوجية نفسها لتتنامى باستمرار.
و مع دخولنا القرن الحادي و العشرين،ترتفع تساؤلات حول إمكانية المحافظة على النمو الاقتصادي المعتمد على التكنولوجية المستمر منذ قرنين من الزمان.و قد تم التأكد من العامل الأساسي الذي يتدخل في عمليات التطور التكنولوجي:استثمار رؤوس الأموال،و العلماء و المهندسون ذوو الإعداد الجيد(المتمثل في ما يسميه الاقتصاديون "راس المال البشري").
التكنولوجية و البيئة:لأجل التنمية المستدامة
يرى العديد من المختصين في المجال " التكنوتنموي " ممن لديهم توجهات إيجابية إزاء البيئة أن التقنية النظيفة لا تكمن في التقليل من النفايات عن طريق التحكم بالانبعاثات النهائية فحسب ، إنما هي وبصورة مثالية – تدخل ضمن العملية الصناعية وفي كل مراحلها ابتداء من الخطوات الأولى إلى المراحل النهائية .وعلى هذا الأساس فإن على الصناعات – وفقاً للمنظور البيئي الذي لا يستبعد عنصر الجدوى الاقتصادي – اعتماد لمبدأ التقنية بدلاً من السعي إلى التحكم في الانبعاثات أو الإفرازات النهائية
ووفقاً لدراسة رائدة أجراها معهد الموارد البيئية في المملكة المتحدة ، وقام بنشرها برنامج الأمم المتحدة للبيئة ، فقد تأكد من الناحية الاقتصادية أن التقنية النظيفة أو السليمة بيئيا تستطيع استرداد نفقتها الاستثمارية خلال فترة تتراوح بين الخمس إلى العشر سنوات . وتعتمد الفترة اللازمة لاستعادة النفقات المبدئية على عوامل اقتصادية عدة لعل من أبرزها حجم الاستثمار الكلي مقارناً بالنفقة التي وضعت على التقنية النظيفة ومقارنة ذلك بنسبة العائد من عملية التقنية النظيفة إلى جانب الاعتبارات الأخرى بما في ذلك التقليل من استهلاك الطاقة وتخفيض حجم المواد الخام المستخدمة في العملية الصناعية ومستوى جودة المنتج وما إليه.
مكانة التكنولوجية في تحقيق التنمية المستدامة:
تعريف التنمية المستدامة : في تقرير معهد الموارد العالمية الذي نشر عام 1997 و الذي خصص بأكمله لموضوع التنمية المستدامة, حيث تم حصر عشرون تعريف لها (أي التنمية المستدامة)و تم تصنيف هذه التعاريف إلى أربع مجموعات: اقتصادية, اجتماعية, بيئية وتكنولوجية.
أ-اقتصاديا: تعني التنمية المستدامة بالنسبة للدول المتقدمة إجراء خفض في استهلاك الطاقة و الموارد أما بالنسبة للدول النامية فهي تعني توظيف الموارد من اجل رفع مستوى المعيشة و الحد من الفقر.
ب-اجتماعيا: تعني التنمية المستدامة السعي من أجل استقرار النمو السكاني و رفع مستوى الخدمات الصحية و التعليمية خاصة في الريف.
ج-بيئيا: تعني حماية الموارد الطبيعية و الاستخدام الأمثل للأرض الزراعية و الموارد المائية.
د-تكنولوجيا: هي التنمية التي تنقل المجتمع إلى عصر الصناعات و التقنيات النظيفة التي تستخدم أقل قدر ممكن من الموارد و تنتج الحد الأدنى من الغازات الملوثة و الضارة بالأوزون.
- ومن أكثر التعريفات شمولية و انتشارا في الوقت الراهن تعريف اللجنة العالمية للبيئة و التنمية(لجنة برونتلاند) و قد تم تبني هذا التعريف في المحافل الدولية على نطاق واسع حيث تم تعريف التنمية المستدامة على أنها: "التنمية المستدامة هي تنمية تسمح بتلبية احتياجات و متطلبات الأجيال الحاضرة دون الإخلال بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها".
كما أفاض بعض المؤلفين في توسيع تعريف التنمية المستدامة لتشمل تحقيق التحول السريع في القاعدة التكنولوجية للحضارة الصناعية، وأشاروا إلى أن هناك حاجة إلى تكنولوجية جديدة تكون أنظف وأكفأ وأقدر على إنقاذ الموارد الطبيعية، حتى يتسنى الحد من التلوث، والمساعدة على تحقيق استقرار المناخ، واستيعاب النمو في عدد السكان وفي النشاط الاقتصادي. تكمن مساهمة الابتكار التكنولوجي في التنمية المستدامة من خلال مايلي:
-يسمح الابتكار التكنولوجي من جهة بإبدال رأس المال الطبيعي برأس مال منجز و متراكم و تقليص الحماية على رأس المال الطبيعي من خلال رفع الفعالية الاقتصادية للأساليب الفنية و المنتجات.
-تحويل أنماط الاستهلاك و أنماط الحياة بطريقة تسمح بزيادة نوعية المعيشة في إطار تعاون مع حماية لرأس المال الطبيعي.
-تنويع مصادر الطاقة أنيا و بنفس الأجهزة مما ساهم في تقليل نسبة التلوث،و تدنية التكاليف.
-إنتاج بدائل متشابهة و من مواد أكثر فاعلية،و بأرخص تكلفة و اقل تلوثا الشيء الذي يساهم في ارتفاع مرونة الجهاز الإنتاجي .
-تؤدي التكنولوجية الحديثة إلى زيادة الدقة في الإنتاج من خلال الالتزام بالمقاييس و المواصفات المحددتين وفق أصول علمية.
-الحفاظ على الاحتياجات الكامنة من الموارد القابلة للتجديد ،و ذلك يساهم في الحفاظ على التكامل البيئي.
-ابتكار تكنولوجية ذات مواصفات علمية للمحافظة على البيئة و ذلك لتجنب تلوث البيئة لمحيطها.
و نتيجة لكل هذا فقد ظهرت فكرة الإنتاج الأنظف لتحل فكرة التكنولوجيات المنخفضة او عديمة النفايات ،و تعتبر فكرة الإنتاج الأنظف بأنه التطبيق المستمر لإستراتيجية بيئية وقائية متكاملة للعمليات الإنتاجية و المنتجات ،لخفض الأخطار على الإنسان و البيئة.
ولكن فكرة الإنتاج الأنظف لم تتحول بعد إلى التطبيق الكامل، لأنها تحتاج أولا إلى ترسيخ أساليب الإدارة البيئية في الصناعة، و ثانيا الى استثمارات كبيرة لإحداث تغييرات في العمليات الصناعية ،او لإدارة المخلفات سواء داخل المصنع أو خارجه و بعد انهاء دورة حياة المنتج.