Author

البطحاء.. سوق الغربة وتجاوز القانون

|
كثير من العواصم والمدن الكبرى في العالم، خاصة في أمريكا وأوروبا، أدركت مع بدايات القرن الماضي مشكلة الزحام السكاني في بعض الأحياء من مدنها وعواصمها وبالتالي خطورة التكدس البشري على مختلف جوانب تنمية الإنسان وتطوره من الناحية التعليمية إلى الصحية فضلا عن الاجتماعية والأمنية. وجميعنا نعلم عن الأحياء التي تسمى أحياء الأقليات المزدحمة في عواصم بعض البلدان كباريس على سبيل المثال، التي بسببها انتشرت في عام 2005 أعمال إجرامية من النهب والسرقة، وهي الاضطرابات التي راح رجال الأمن يكافحونها بضعة أيام من أجل إخمادها والسيطرة عليها. ليقوم بعدها عدد من الباحثين في العلوم الاجتماعية لدراسة أسبابها وحتى اليوم تظهر بين وقت وآخر نتائج من هذه الدراسات سواء من فرنسا أو أمريكا التي تنشر فيها أحياء للآسيويين وأخرى للملوّنين وهي الأحياء التي تعرف بأحياء المهاجرين، وجميع نتائج تلك الدراسات تؤكد أهمية التوزيع السكاني وعدم تركزه في موقع دون آخر، وأيضا أهمية توزيع الخدمات والسلع، وعدم تركز جالية أو فئة سكانية في منطقة محددة. وغني عن القول إنه عند إنشاء مدن حديثة بات يؤخذ في الحسبان هذه الجوانب فضلا عن السعي لمعالجة وضع الأحياء القائمة التي تعرف لدينا بمسمى العشوائية، وإن كانت هذه المعالجة تأخذ تدرجا ووقتا طويلا، إلا أن كثيرا من المدن في العالم أدركت أن هذه التجمعات السكانية في بعض الأحياء تفوق قدرة الخدمات المقدمة سواء في التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، وبالتالي تحدث فوضى بين قاطني هذه الأحياء وانتشار جرائم كثيرة من السرقات إلى الجرائم الجنسية والمتاجرة بالبشر وصولا إلى الأمراض المعدية والفيروسية. لدينا -ولله الحمد- إصرار حكومي وإدراك لحجم مثل هذه المشكلة فتم البدء في معالجة العشوائيات في منطقة مكة المكرمة ويعتبر هذا الملف من أهم الملفات على طاولة أمير المنطقة خالد الفيصل، والجميل أن هناك خطوات جبارة وإنجازات ملموسة على أرض الواقع أنجزت، حيث تم نزع الملكيات والتعويض مما كان له أبلغ الأثر. في الرياض لدينا واحد من أشهر الأحياء في المملكة وهو أكثر شهرة لدى المقيمين خاصة الآسيويين بصفة عامة وهو حي البطحاء. وهو عبارة عن حي يعد من أهم وأقدم الأحياء في المملكة ويعتبر منطقة تجارية، وتتوفر فيه سلع متنوعة وبأسعار منخفضة مقارنة بأسواق أخرى من الرياض. لكن الملاحظة التي تستدعي التوقف أمامها مليا، ففي البطحاء زوايا وأركان وشوارع كل منها مخصص لجالية من الجاليات، الهند وبنجلاديش والفلبين وسريلانكا وغيرها، لا تستغرب أن تشاهد العشرات من المراكز الطبية الخاصة والمطاعم ومحال التموينات الغذائية ومحال الملبوسات وغيرها الكثير، وكل جالية لها محالها ومطاعمها بل حتى اللوحات الإرشادية على مراكز التسوق والخدمات بلغة تلك الجالية، وتكاد لا تصدق أنك في العاصمة الرياض لو قدر لك وسرت في أحد ممرات حي البطحاء، فللوهلة من الزمن ستشعر أنك في أحد أزقة بومبي أو ممرات مانيلا، فكل شارع يأخذ لون وجنسية الجالية التي تقيم فيه. وستشعر بأنك غريب تماما، بل إن العيون ستحرقك بالنظرات وكأنك قد تعديت على حق من أبسط حقوقهم وهو عدم رؤية أي مواطن سعودي ولو لدقائق قليلة. هذه التفرعات السكانية في حي البطحاء لها مشاكلها الجسيمة، ففي هذا الحي تجد ما لا تجده في الرياض من تجاوزات وتخفيضات كبيرة حتى على تذاكر الطيران، وعمليات نصب واحتيال وكل يوم نسمع ونرى أجهزة الأمن قد ألقت القبض على جريمة دعارة أو مصنع للخمور أو شقة لتزوير الإقامات والأختام وغيرها. فضلا عن عدم تمكن سيارات الأمن أو حتى الإسعاف والدفاع المدني من الوصول لبعض المواقع، بسبب ضيق الشوارع أو بسبب استخدام كثير من الشوارع كمواقف للسيارات وبالتالي إغلاق الشارع بأكمله. أعتقد أن جولة واحدة لكل مهتم وخاصة في نهاية الأسبوع سيرى خلالها العجب من البضائع المقلدة والملبوسات المهترئة ومن يقدم الطعام في الهواء الطلق وكأنك في بلد تنعدم فيه الأنظمة الصحية والمراقبة والمتابعة، هذا فضلا عن كثير من المخالفات الواضحة والصريحة لأنظمة البلد وقوانينه، فمن هناك تبدأ وتنطلق الأشكال المختلفة لمخالفة القانون وهي بؤرة لا يختلف عليها اثنان للسوق السوداء بجميع أشكالها. إنها دعوة للالتفات لمعالجة هذه العشوائية السكانية الواضحة الفاضحة.
إنشرها