محكمة..
ينصرف معنى القانون إلى مجموعة القواعد التي تحكم سلوك الأفراد في المجتمع، بينما يعرّف التقنين بأنه ''تشريع عام يتضمن جميع النصوص التي تنظم فرعاً بأكمله من فروع القانون، بعد أن تبوّب وتنسق ويزال ما قد يكون بينها من تعارض''، مثل: التقنين التجاري، التقنين المدني... إلخ. والمحكمة هي المقر الذي يتم فيه التقاضي بين المتخاصمين استناداً لأحكام القانون والأنظمة المتبعة حسب طبيعة الدعوى، فلا يستقيم أي مجتمع إلا بوجود نظام قانوني ثابت لا يمكن الخروج عليه ويخضع له كل أفراد المجتمع، ولا تستقر المعاملات في أي قطاع من القطاعات إلا في ظل تقنين خاص ينظم نشاط الأفراد المنتمين له ويحكم العلاقات بينهم، ويضمن حفظ حقوق كل طرف في مواجهة الآخر. في عصر الاحتراف والاستثمار الرياضي، وبما أن الأندية السعودية تقف على بعد خطوات من مشروع التخصيص، أصبحت هناك حاجة ملحة وضرورة تفرضها الظروف المحيطة بالقطاع الرياضي إلى إنشاء نظام قانوني ''رياضي'' متكامل وعادل يحكم عملية التطوير الرياضي بجميع جوانبها.
ـ مشاكل الكرة في السعودية تكاد لا تنتهي، والقضايا الشائكة أصبحت مكوّنا أساسيا من مكونات الحراك الرياضي، مع كل جولة من جولات الدوري تقريباً نشهد حادثة تحال إلى لجنة الانضباط، وفي كل فترة انتقالات (صيفية ـ شتوية) ينشب خلاف جديد بين نادٍ ولاعب أو مدرب على الحقوق المادية، بسبب إخلال أحد طرفي التعاقد بأركان العقد، علاوة على التأخر في تسديد المخالصات المالية وفساد عقود الاحتراف أو بطلانها وما ينتج عنه من آثار قانونية تؤدي إلى توتر العلاقات بين المتعاملين في الوسط الرياضي. ولا يخفى على قارئ هذا المقال أن بعض الأندية السعودية أصبحت سيئة السمعة، بسبب مماطلتها في تسديد المستحقات المترتبة على ذمتها المالية لعدة أسباب أهمها مآزق الديون والتراكمات المالية الناتجة عن قلة وعي مسيّري اللعبة حول الإدارة المالية الصحيحة وضبابية البيانات المالية للأندية، وكذلك غياب الرقابة والمحاسبة، مما أثر بشكل ملموس وواضح على المستوى الفني للعبة في السعودية وزعزع ثقة المتعاملين مع بعض الأندية بمدى قدرتها على الالتزام بإيفاء حقوق الغير لديها. وفي حال استمرار الحال على ما هو عليه دون إنشاء مؤسسة قضائية لفض المنازعات الرياضية، فإن الأوضاع ستزداد سوءاً وسيتحول مشروع ''التخصيص'' إلى مشروع (تخبيص)!
ـ هناك أمر آخر يحتم على الجهات المختصة ضرورة الإسراع في تشكيل محكمة رياضية سعودية هو أن ''الفيفا'' يرفض بشكل قاطع تدخل المحاكم المدنية في المنازعات الرياضية، على اعتبار أن نظر المحاكم المدنية في الدعاوى الرياضية هو تدخل حكومي (ضمنياً)، بحكم أن تلك المحاكم تتبع السلطة القضائية التي على الرغم من استقلالها، فإنها تعد (سلطة عامة) تابعة للدولة، هذا وقد سبق أن رفضت المحاكم المدنية النظر في عدة دعاوى رياضية لعدم اختصاصها بالنظر في مثل هذه الدعاوى امتثالاً لقواعد الاختصاص القضائي المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية وعدم جواز مخالفتها، وهذا ما أدى إلى تعقيد الإجراءات وإطالة أمد المنازعات وإلحاق ضرر مالي كبير بالأفراد وبالكيانات الرياضية، علاوة على الإخلال بعنصر (السرعة) الذي يعتبر قوام النشاط المالي الذي يحكم التعاقدات في عالم الرياضة الحديثة.
ـ المحكمة الرياضية إن أُنشئت، فإنها ستكون ملجأً وملاذاً لكل المتضررين في شتى الرياضات وليس في كرة القدم فقط، وإنشاؤها يتطلب إصدار تقنين تستند إليه، مع مراعاة المعايير والاشتراطات الرياضية الدولية، دون الإخلال بقواعد الفقه الإسلامي، من باب التمسك بدين الدولة السعودية وتراثها الإسلامي العريق من ناحية، وعدم إهدار سيادة النظام القانوني السعودي الذي يرتكز بشكل أساسي على أحكام الشريعة الإسلامية الغراء من ناحية أخرى، إضافة إلى تطبيق الأعراف الرياضية المتعارف عليها ولجوء القضاة إليها باعتبارها مصدرا رسميا للقانون الرياضي، تطبيقاً للقاعدة الفقهية التي نصت على أن ''المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً''، وانتداب أهل الثقة من القانونيين وذوي الثقة من الرياضيين لتشكيل هيئة المحكمة. حتى لا تضيع الحقوق، ومن أجل وسط رياضي أكثر استقراراً وأقل فساداً.
ـ وإن لم يقتنع المسؤولون بكل ما أوردته سلفاً، أتقدم إليهم بسبب أخير يؤكد جدوى إنشاء محكمة رياضية سعودية هو: الحد من نشر غسيل الأندية السعودية على شرفات محكمة التحكيم الرياضي بلوزان!.
آخر فنجان:
هناك علاقة إدمان تربط بعض الأندية بـ ''كاس'' لوزان!