حي المغاربة .. ماضٍ عريق وحاضر يئن بالعمالة السائبة
يتميز حي المغاربة بمساكنه القديمة، وبناياته العتيقة، وشوارعه وأزقته الشعبية البسيطة المكتظة بالمحال والدكاكين التقليدية التي تنبض بالحياة، وأسواقه المفعمة بالحيوية والحركة وتحديداً الشارع الرئيس بالحي، حيث توجد به الأسواق المشهورة التي يطلق عليها السكان المحليون (أسواق حي المغاربة).
حي المغاربة هو واحد من أعرق وأقدم أحياء المدينة المنورة ومن أكثرها شعبية على الإطلاق، يتميز هذا الحي بعديد من المميزات التي جعلته ذا رونق ومذاق خاص، وجذبت الأنظار إليه، كونه من الأحياء التي ما زالت ذات طابع خاص.
أكثر ما يميز حي المغاربة هو موقعه الحيوي القريب من المسجد النبوي الشريف من الجهة الجنوبية، حيث إن حي المغاربة هو حي متسع يقع بين شارعين رئيسين من أكثر شوارع المدينة حركة ونشاطا من المواطنين بمختلف الفئات رجالا ونساء وشبابا وأطفالا وأسرا بأكملها وغيرهم من المقيمين.
والشارعان هما شارع قباء- النازل على الحرم- الذي يشهد أكبر حركة تجارية في منطقة جنوب المسجد النبوي الشريف، وذلك من خلال أسواقه المتعددة ومحاله التجارية ومحال الذهب والمجوهرات التي تشهد إقبالاً كبيراً خصوصا من النساء، والشارع الآخر هو شارع قربان- الطالع من الحرم- الذي يتميز أيضاً بازدحامه الشديد، حيث توجد به الكثير من المحال التجارية المتعددة الأنشطة والمؤسسات التجارية والأبراج الإدارية المختلفة.
لذا فإن حي المغاربة يربط بين اثنين أو ثلاثة من أهم شوارع وأحياء المدينة، وهي شارع قباء النازل من جهة الحرم، وشارع قربان الطالع من الجهة المقابلة، وبين حي البحر المعروف بغناه وتنوعه الاقتصادي والاجتماعي، وبين الحرم النبوي الشريف من الجهة الرابعة والمقابلة لحي البحر. كما يتميز الحي أيضاً ''المغاربة'' بقربه من مسجد بلال ذي المكانة التاريخية والإسلامية في قلوب المسلمين.
وباعتباره حيا شعبيا فإن حي المغاربة في المدينة المنورة يغلب عليه طابع البساطة في كل شيء، حيث يتميز بتعدد الطبقات الساكنة والمقيمة به من مواطنين ووافدين أجانب وعمالا وغيرهم من جميع الجنسيات.
وقديماً كان حي المغاربة ''حوش المغاربة'' يقع خارج السور الداخلي في الجهة الجنوبية الغربية من المسجد النبوي الشريف بجوار بلاد الهاشمية، ويقابل حوش ميرمه من جهة الغرب، ويفصل بينهما زقاق السلطان، وكان مستطيل الشكل ويتسع في جهته الشمالية، وتتصف بيوت الحوش التي تتألف من ثلاثة أدوار بنمط معماري مميز، حيث كانت تغطي الرواشين المزخرفة واجهاتها، ويعلو الطوب الفخاري الملون ستائر الأسطح، وكانت تبلغ مساحته 486م2 فقط بحسب معلومات تاريخية من تاريخ المدينة. وكان يغلب على هذا الحي المذاق المغربي في كل شيء في البيوت والمساكن التي بني معظمها على التراث المغربي، حيث كانت النسبة الكبرى من المقيمين بهذا الحي من الجنسية المغربية، وسمي ذلك الحي بهذا الاسم نسبةً إلى الأغلبية التي سكنته واتجهت إليه من فئة المهاجرين والوافدين المغاربة من بلاد المغرب العربي الشقيق.ولكن على الرغم من التاريخ العظيم والحافل لهذا الحي العتيق والمشهور منذ القدم، إلا أنه افتقد كثيرا من مميزاته وجمالياته وآثاره التي كانت قد جعلته محط أنظار الكثيرين.ويعيش الحي الآن حالة تذبذب بين نقص الخدمات وافتقاد الميزات الجمالية التي كان يزخر بها في السابق مع هجرة كثير من سكانه إلى الأحياء الجديدة المخدومة بشكل أفضل وأكثر هدوءا مع التوسع الذي جرى في المنطقة.
وبدا التغير واضحا على حي المغاربة في الفترة الأخيرة، ليس فقط فيما يتعلق بمعالمه الجمالية والأثرية فحسب، بعد أن تمت إزالة بعض المباني القديمة التي أنهكها الزمان وتجديد البعض الآخر بتركيب الرخام والسيراميك عليها من الخارج والداخل أيضاً بعد أن أزيلت الشرفات والبلكونات والشراعات وكل المعالم التي كانت تميزه عن الأحياء الأخرى، ولكن بتحوله أيضاً مسكناً للأشباح ومرتعاً للمخالفين من العمالة السائبة وغير النظامية.
فهو الآن إلى جانب افتقاده العديد من الخدمات البلدية والنظافة وإعادة تمهيد الطرق الداخلية في الحي وإعادة رصف البعض الآخر، أصبح يفتقد أدنى مستويات الأمان التي تعيشها بقية أحياء المدينة، خصوصا بعد حادثة مقتل أحد المقيمين السودانيين على يد مقيم مصري، وحادثة الاغتصاب البشعة التي كانت ضحيتها فتاة إفريقية على يد مجموعة من الشباب، وغيرها الكثير من التجاوزات والمخالفات. وبالتواصل مع أحد ساكني الحي، يقول عبد الله حمدان وهو مواطن مقيم في الحي منذ أكثر من 33 عاماً: مع الأسف الشديد تغير الحي كثيراً عما كان عليه سابقا، وأصبح يفتقر إلى العديد من الخدمات بل حتى إلى أبسط الخدمات، ومن الأسباب الرئيسة في ذلك (من وجهة نظره) هو اتجاه المخالفين وغير النظاميين إليه، حيث وجدوا فيه ملاذاً آمناً لهم بعيداً عن أعين الشرطة والجوازات.
ويضيف حسني محمود مصري الجنسية وهو مقيم في الحي منذ نحو 10 سنوات أن كثرة العمالة غير النظامية وقلة الخدمات والمرافق العامة ووجود عناصر مخيفة أشبه بالتشكيلات العصابية من الأفارقة الذين سكنوا الحي والذين يظهرون في أوقات متأخرة من الليل ويقومون بتخويف الآمنين والمارين بالطرقات وسرقة السيارات وتكسير زجاجها بالحجارة، ورمي بعض المارة أيضاً بالحجارة مما أدى إلى إصابة أحد المارة يوماً بإصابات بالغة نتجت عنها عاهة مستديمة (وهو مقيم تم رجمه بالحجارة في أثناء عودته من عمله إلى السكن الذي يقطن فيه في وقت متأخر ليلاً) وغيرها الكثير والكثير من تلك الحوادث، كل هذا أدى إلى نزوح أعداد كبيرة من الحي، وجعلت كثيرا من المقيمين من مواطنين وغيرهم يهجرون ذلك الحي متجهين إلى أحياءٍ أو مخططاتٍ أخرى خاصةً الذين لديهم أسر وأبناء يخافون عليهم.