من أوروبا إلى «أرابيا»
- ها قد انتهت نهائيات أمم أوروبا 2012 بعد أن أعطتنا جرعات مكثفة من المتعة، وقدمت لنا دروسا عديدة في كرة القدم الحديثة من الناحيتين الفنية والتنظيمية. شهدنا في البطولة الأوروبية تطوراً هائلاً على مستوى اللعبة في الجوانب الفنية والتكتيكية على المستوى الفردي والجماعي للمنتخبات المشاركة، إضافة إلى ظهور طرق وأساليب لعب جديدة، وتركيبات تكتيكية فائقة الكفاءة والمرونة في التطبيق ابتكرها مدربون كبار مثل الإسباني دل بوسكي، الإيطالي برانديلي والألماني لوف. باختصار، كانت النهائيات الأوروبية بمثابة دعوة مجانية لعشاق كرة القدم والقائمين عليها وممتهنيها في مختلف أنحاء العالم للاطلاع على لوحة فنية جميلة تعكس جماليات اللعبة، وتجذب مطالعيها لتجربة ذروة التمتع وملامسة قمة الإبداع والسحر الكروي، لعلّنا نستفيد منها ونأخذ بعض الوقت لمراجعة أنفسنا وتقييم مستوى اللعبة في منطقتنا ونعيد صياغة أجندات بطولاتنا، ونطور نوعية وتوجهات استراتيجياتنا.. وأشك أن تكون لدينا استراتيجية أصلاً!
- عند الهبوط من سماء أحلام كرة أوروبا (الجميلة) إلى واقع حال كرتنا (الهزيلة) في "أرابيا"، وهو لفظ أو رمز لغوي يستخدمه الناطقون باللغات الأجنبية للدلالة على شبه الجزيرة العربية، أرى صورة مختلفة اختلافاً كلياً عن تلك التي عرضها الأوربيون.. اتحادات كرة القدم في "أرابيا" لديهم بطولة "مغشوشة" رديئة المستوى تسمى "كأس الخليج"، أبطالها الرئيسيون شيوخ ووجهاء وأعيان ونفر من قوم الإعلام، أما المدربون واللاعبون، وهم في الحالة الطبيعية أهم عنصرين مكونين للعبة كرة القدم، فيلعبون في "كأس الخليج" دور (الكومبارس)!
المؤسف في أمر هذه البطولة هو أن مسؤولي اتحاداتنا الوطنية ما زالوا متمسكين بها ومصممين على تكرار محاولاتهم الفاشلة لإقناع الاتحاد القاري والاتحاد الدولي بالاعتراف بها واعتمادها كبطولة دولية رسمية!
- استعرضت ملفات "كأس الخليج" وتوصلت إلى نتيجة مفادها وجوب إلغاء البطولة للأسباب التالية: أولاً، لا جدوى من إقامة البطولة وإرباك جدول المسابقات المحلية والقارية من أجلها، علماً بأنها بطولة "غير شرعية" لم ولن يعترف بها "فيفا"؛ لأنه بذلك سيسجل سابقة تحتج بها كل الأقاليم أمام الاتحاد الدولي وتفتح الباب أمام مطالبات أخرى للاعتراف الدولي ببطولات مماثلة كبطولة "الدول الاسكندنافية"، بطولة "دول حوض النيل"، بطولة "دول القرن الإفريقي" وهلمّ جراً.. ! ثانياً: القول إن "كأس الخليج" هي بطولة تصنع النجوم ليس له أساس من الصحة، حيث إن النجومية في تلك البطولة هي نجومية وقتية تنتهي بانتهائها والعماني حسن ربيع والكويتي فهد العنزي هما دليلان قاطعان لمن أراد دليلاً على ذلك! صناعة اللاعبين في علم كرة القدم الحديثة تتم في الأندية وليس في المنتخبات. ثالثاً: من الحجج الواهية الدارجة في أروقة الاتحادات الخليجية أن "كأس الخليج" تسهم في تطوير البنى التحتية للدول المشاركة. السؤال هنا: هل دول الخليج "الغنية" أصبحت بحاجة إلى مسابقة كروية لتطوير بنيتها التحتية؟ رابعاً: بطولة الخليج كانت وما زالت "كرنفال" بهرجة ومؤثرات إعلامية، فضلاً عن كونها بؤرة خصبة لخلق الصراعات بين الأشقاء! كرة القدم وسيلة للتقريب بين الشعوب، لكن كل المؤشرات في "أرابيا" تشير إلى عكس ذلك!
- مطالبتي بإلغاء "كأس الخليج" ليست من باب إنكار تاريخ وقيمة البطولة والفوائد التي جنتها دولنا منها (في السابق)، لكن هي نظرة إلى المستقبل؛ فقد انتفت الحاجة إلى مثل هذه البطولة التي تحدث إرباكاً لجداول مسابقات أخرى أكثر أهمية كدوري المحترفين ودوري أبطال آسيا، أضف إلى ذلك أن البطولة كانت في السابق ملتقى للرموز أمثال الفقيد فيصل بن فهد، الشهيد فهد الأحمد رحمهما الله، القطري سلطان السويدي والبحريني عيسى بن راشد أمد الله في عمرهما، ومما لا شك فيه أن البطولة فقدت جزءا كبيرا من بريقها ورونقها بعد غياب هؤلاء الرموز وغيرهم، يرجع ذلك إلى أنها بطولة تُصنع أحداثها خارج الملعب، فالملعب، ليس إلا أداة ثانوية مصاحبة للعرض الذي يقدمه كبار الشخصيات في المنصة!
آخر فنجان:
في أوروبا، تُلعب كرة القدم على مستطيلٍ أخضر.. أما في "أرابيا"، فإنها تُلعب على سجاد أحمر!