استغلوها..
على خلاف طلبة المدارس والمعاهد والجامعات، وموظفي القطاعين العام والخاص الذين ينتظرون الصيف للحصول على إجازة سنوية طويلة، يعد الصيف الفصل الأكثر نشاطاً بالنسبة لإدارات الأندية، صيف يحدد سقف الطموحات، توضع الخطط والاستراتيجيات، ترصد الميزانيات، يتم تحديد الخيارات، تخوض إدرات الأندية المفاوضات، تبرم الصفقات، وتنتظم الفرق في معسكرات استعداداً للموسم الجديد. وفي ضوء ما يتم إنجازه خلال مرحلة الإعداد الصيفية، يتحدد شكل المنافسة على البطولات، ويضع الخبراء الترشيحات، حيث تنص قواعد لعبة كرة القدم على أن الأكثر عطاءً والأفضل عملاً قبل بداية الموسم، هو الأكثر نيلاً ونجاحاً في نهايته.
من الملاحظ في السعودية أن الطريق المؤدي إلى منصات التتويج يمر بمحطة خارجية تتمثل في المحترفين الأجانب الذين يشكلون نقطة القوة لأي فريق من فرق دوري "زين" السعودي، والشواهد كثيرة على ذلك، أقربها من الناحية الزمنية فريقا الشباب والأهلي اللذان تفوقا في الموسم الماضي على كل فرق الدوري ووضعا قدميهما على القمة بثبات بفضل عوامل كثيرة، أهمهما التعاقد مع محترفين أجانب ذوي قيمة فنية عالية استطاعت تلبية حاجة الفريقين ومواكبة حجم المنافسة في المسابقات المحلية والآسيوية أيضاً، علاوة على نجاح كلا الفريقين في استقطاب أجهزة فنية متميزة أثبتت قدرة فائقة وتميزا واضحا. في المقابل وللدلالة بشكل أوضح على قيمة المحترفين الأجانب بالنسبة لفرق القمة السعودية، نرى أن الهلال المسيطر على البطولات المحلية في السنوات العشر الأخيرة، إلى جانب الاتحاد والشباب، نرى أنه قد ابتعد (نسبياً) عن مستواه المعهود بسبب فشله في سد الفراغ الذي خلفه الاستغناء عن خدمات بعض اللاعبين الذين كانوا بمثابة مفاتيح اللعب الأساسية بالنسبة للهلال.
في هذا الصيف تحديداً، تتوافر لإدارات الأندية السعودية فرصة للتسوق قَلَّ ما تتكرر؛ فعلى غير العادة امتلأت الروزنامة الصيفية بعدة مسابقات كروية يمكن من خلالها للأجهزة الفنية والإدارية أن تطلع على الخيارات المتاحة وتنتقي من بينها ما يناسبها، كُلٌّ على حسب إمكاناته المادية.
"كأس العرب" تخلق فرصة ممتازة للتعاقد مع لاعبين مثاليين للفرق ذات الدخل المتوسط والمحدود، أو تلك التي تبحث فقط عن البقاء في دوري الأضواء، يمكن من خلالها البحث عن لاعبين جيدين يخدمون فرقهم بالشكل المطلوب، ولنا في السوري جهاد الحسين قائد فريق نجران خير مثال على مدى فاعلية توجه الأندية (محدودة - متوسطة) الدخل نحو اللاعب العربي ذي القيمة المادية المعقولة. وللأندية "الغنية" سوق صيفي آخر هو "أولمبياد لندن 2012"، يتوافق مع متطلباتها الفنية والمادية، فضلاً عن توافر العنصر الاستثماري في حال التعاقد مع لاعبين "أولمبيين" من نخبة منتخبات العالم وبعقود طويلة الأمد، كما فعل السد القطري الذي خطف النجم الأرجنتيني الشاب ماورو زاراتي في سن الـ20 وحقق أرباحاً طائلة بعد بيع عقد اللاعب وانتقاله إلى اللعب في دوري الدرجة الأولى الإيطالي. فلما لا تغير أندية "الكاش" سياساتها التعاقدية وتتجه إلى شراء عقود لاعبين صغار السن عوضاً عن جلب "شيبان" كسالى فاقدي الطموح لا يرجون سوى (تدفئة) حساباتهم المصرفية من جيوب أنديتنا الغنية؟!.
بعيداً عن متعة عشاق كرة القدم بالمستويات الفنية العالية التي تقدمها المنتخبات المشاركة في "نهائيات أمم أوروبا 2012"، جرى في البطولة حدث في غاية الأهمية بالنسبة للأندية السعودية، وبإمكان إدارات الأندية أن تحول هذا (الحدث) إلى (مكسب) إذا ما سلطت الضوء عليه، وأحسنت استغلاله والترويج له عبر اعتماده كورقة تفاوضية مع الأندية الأوروبية.. في السابق، سمعنا كثيراً عن تعثر مفاوضات نادٍ سعودي مع لاعب أوروبي بسبب رفض اللاعب للعرض المقدم إما بحجة عدم قدرته على التأقلم مع "الخصوصية السعودية"، أو لمخافة الاستبعاد من تشكيلة منتخب بلاده؛ على فرضية أن الدوري السعودي "ضعيف" فنياً.. في الوقت الحاضر، انتفت كل تلك الحجج السابقة بعد أن تمكن لاعب الهلال كريستيان ويلهامسون ابن السويد "المتحررة" من التأقلم مع بيئة المملكة "المحافظة" التي يقوم نظامها على شرع الله- سبحانه وتعالى- وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن نجاحه في ضمان مركز له ضمن التشكيلة الأساسية لمنتخب بلاده المشارك في أقوى بطولة على مستوى القارة الأوروبية. فماذا تبقى لأصحاب الشعور الشقراء من أعذار وذرائع؟!
آخر فنجان:
هناك فرق جذري بين مفهوم الاستثمار وثقافة الهدر، ومن أهم قواعد إدارة المال أن المحافظة على رأس المال مقدم على جني الأرباح.