ماذا حدث للهند؟

إن الأسواق الناشئة في مختلف أنحاء العالم ــ وأضخمها البرازيل، والصين، والهند ــ آخذة في التباطؤ. ومن بين الأسباب وراء هذا التباطؤ أنها لا تزال تعتمد، بشكل مباشر أو غير مباشر، على الصادرات للدول الصناعية المتقدمة. وكان النمو البطيء هناك، خاصة في أوروبا، محبطاً على الصعيد الاقتصادي.
وكل هذه الأسواق تعاني فضلاً عن ذلك نقاط ضعف مهمة لم تتعامل معها في أوقات الرواج. ففي الصين كانت نقطة الضعف تتلخص في إفراطها في الاعتماد على الاستثمار في الأصول الثابتة لتحقيق النمو. وفي البرازيل كان تدني معدلات الادخار والعديد من المعوقات المؤسسية سبباً في الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة ومعدلات الاستثمار منخفضة، في حين لا يخدم النظام التعليمي أقساماً كبيرة من السكان أيضا. أما روسيا، ورغم أن سكانها يحصلون على تعليم جيد للغاية، فإنها تظل تعتمد على الصناعات السلعية لتحقيق النمو الاقتصادي.
والأمر الأكثر استعصاءً على الفهم على أية حال هو: لماذا كان أداء الهندي بهذا الضعف مقارنة بإمكاناتها؟ الواقع أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في الهند هبط بمقدار خمس نقاط مئوية منذ عام 2010.
وبالنسبة لبلد فقير مثل الهند، فإن النمو لا بد أن يُعَد أمراً بديهيا. إنها إلى حد كبير مسألة توفير المنافع العامة للناس: البنية الأساسية مثل الطرق والجسور والموانئ والطاقة، فضلاً عن الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية الأساسية. وخلافاً للعديد من البلدان الفقيرة بالقدر نفسه، فإن الهند تتمتع بالفعل بطبقة قوية للغاية من رجال الأعمال، وطبقة متوسطة كبيرة بدرجة معقولة وجيدة التعليم، فضلاً عن عدد من الشركات ذات المستوى العالمي التي يمكن توظيفها في الجهود الرامية إلى توفير هذه المنافع العامة.
إن تلبية الطلب على هذه السلع في حد ذاته مصدر للنمو. لكن إنشاء طرق جيدة يساعد على خلق كم هائل من الأنشطة الإضافية، مع زيادة أحجام التجارة بين المناطق المرتبطة، وإنشاء مشاريع تجارية لا تعد ولا تحصى، فضلاً عن المطاعم والفنادق على طول الطريق.
ومع تخلص الهند من ''إمبراطورية التراخيص'' السخيفة المحبطة في تسعينيات القرن العشرين، أدركت الحكومات المتعاقبة حتمية النمو الاقتصادي، حتى إن حزب باهاراتيا جاناتا خاض انتخابات عام 2004 ببرنامج مؤيد للنمو، والذي تلخص في شعار ''الهند تتألق''. لكن التحالف الذي يقوده حزب باهاراتيا جاناتا خسر الانتخابات. وسواء كانت هذه الهزيمة تعكس اختيار حزب باهاراتيا جاناتا غير الموفق لشركائه في التحالف أو كانت تعكس تأكيده على النمو في حين لم يستفد العديد من الهنود من النمو، فإن الدرس بالنسبة للساسة كان أن النمو لا يضمن الحصول على مكافآت انتخابية.
ثم جاء رد المواطنين الهنود في النهاية. فقد عمل مزيج انتقائي من الساسة المثاليين والانتهازيين والمنظمات غير الحكومية على تعبئة الناس ضد الاستحواذ على الأراضي. وبانخراط الصحافيين الاستقصائيين في الأمر، تحولت عملية الاستحواذ على الأراضي إلى لغم سياسي.
وعلاوة على هذا فإن بعض المؤسسات الرئيسة التي يعمل فيها أبناء الطبقة المتوسطة الغاضبون على نحو متزايد، مثل الهيئة العامة لمراقبة الحسابات والمراجعة، والجهاز القضائي، أطلقت أيضاً العديد من التحقيقات. ومع ظهور الأدلة على الفساد المستشري في العقود، وتخصيص الموارد، ألقي القبض على وزراء، وبيروقراطيين، ومسؤولين كبار في الشركات، وأمضى بعضهم فترات طويلة في السجن.
بين أن التأثير الجانبي السلبي كان أن حتى المسؤولين المستقيمين أصبحوا الآن أكثر خوفاً من أن يساعدوا الشركات على الإبحار عبر متاهة الديمقراطية في الهند. ونتيجة لهذا توقفت الصناعات ومشاريع التعدين والبنية الأساسية.
كان الإنفاق الحكومي الشعبوي وعجز جانب العرض في الاقتصاد عن المواكبة من الأسباب التي أدت بالتالي إلى ارتفاع مستويات التضخم، في حين لجأت الأسر الهندية إلى الاستثمار في الذهب بسبب خشيتها من أن كل الأصول الأخرى لم تعد مأمونة. ولأن الهند لا تنتج الكثير من الذهب، فقد أسهمت هذه المشتريات في خلق عجز واسع إلى حد غير طبيعي في الحساب الجاري. ولم يكن الأمر ليتطلب أكثر من هذا لتثبيط حماس المستثمرين الأجانب، خاصة مع هبوط الروبية بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة.
كما هي الحال مع الأسواق الناشئة الرئيسة الأخرى، فإن مصير الهند بين أيديها. والواقع أن الأوقات العصيبة تساعد على تركيز العقول. وإذا استطاع ساسة الهند أن يتخذوا بعض خطوات قليلة لإظهار قدرتهم على التغلب على المصالح الحزبية الضيقة، فقد يكون بوسعهم أن يعيدوا بسرعة تنشيط محركات الهند الهائلة لإمكانات النمو. وإلا فإن شباب الهند الذين أحبطت آمالهم وطموحاتهم قد يقررون أخذ زمام الأمور بأيديهم.

خاص بـ ''الاقتصادية''
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2012.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي