استراتيجية «الكذب» وانقلاب السحر على الساحر
يروى أن راعياً وبهدف التسلية كان ينادي كاذبا ومازحا أهل القرية بأعلى صوته ويقول: الذئب.. الذئب.. أغيثوني.. أنجدوني.. الذئب سيأكلني ويلتهم غنمكم، وعندما أسرع أهل القرية لنجدته لم يجدوا أثراً للذئب ورجعوا وقد ساءهم كذبه، ولم تمض أيام قليلة حتى أعاد الكرة ليخيب ظن أهل القرية مرة أخرى بعد أن هبوا لنجدته ولم يجدوا ذئباً، فأيقنوا أنه ''كاذب''، وفي يوم ظهر الذئب حقيقة وهاجم الراعي والغنم، وانطلق الراعي يستنجد ويستغيث، وسمعه أهل القرية، إلا أن أحداً منهم لم يحرك ساكناً، ولم يذهبوا لنجدته، فقد ظنوا أنه كان يكذب عليهم كعادته، وأكل الذئب من غنم الراعي حتى شبع، فالكذاب لا يصدقه أحد حتى لو صدق.
من المتعارف عليه أن العقيدة الاشتراكية وفق ''الكتاب الاشتراكي'' تعتمد الكذب، حتى تصديق النفس قيمة رئيسة في تعاملها مع الآخرين وتعزز هذه القيمة السلبية بمنظومة قيم سلبية أخرى وهي الغموض والخداع والمراوغة والتوريط والتشكيك والكيد والبهتان لتدمير أو تحييد أو استقطاب معارضيها وتحقيق أهدافها الساحقة الماحقة للشعوب والممجدة للحزب وقياداته الذين يعيشون حياة الرفاهية على حساب معاناة الشعوب التي تعيش حياة الذل في كل لحظة من لحظات حياتها.
هذه العقيدة التي أودت بالاتحاد السوفياتي وفتتته وجعلته دويلات متناثرة بعضها انضم إلى المعسكر الغربي طلبا للحياة الكريمة وبعضها سيطرت عليه المافيات. أقول هذه العقيدة تبنتها بعض الدول العربية وما زالت ومنها النظامان العراقي السابق والسوري الحالي وإن قنّعاها بفكرة ''البعث''، وسام هذان النظامان شعبيهما سوء العذاب، ما دفع الشعب العراقي للتعاون مع الأجنبي لاحتلال بلاده للقضاء على نظام البعث العراقي، وهو ما كان وما زال العراق يعاني تبعاته المريرة المؤلمة، والأمر ذاته دفع الشعب السوري في إطار التحولات السياسية في المنطقة العربية أو ما يسمى الربيع العربي إلى الثورة على حزب البعث السوري الذي قابله بكل أنواع الأسلحة تحت شعار ''الأسد أو نحرقها''، وهو ما نراه بأم أعيننا اليوم حيث تحترق سورية وشعبها.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما صح عنه في الصحيحين وغيرهما: ''عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً''، وأقول بكل تأكيد من يكتب عند الله كذاباً فقد اشتهر بين الناس أنه كذاب، فهم شهود الله في أرضه، ولا شك أن النظام السوري الذي يتبع العقيدة الاشتراكية منذ أكثر من 50 سنة تقريبا قد اشتهر بالكذب حتى في النشرة الجوية.
بل إن الأمر فاق الكذب إلى البهتان والاستهزاء بالشعب والمعارضة وازدراء العقول، ومعظم الشعب السوري والعربي فضلا عن الشعوب الغربية تعلم كذب هذا النظام ومراوغته ودرجة امتهانه لشعبه، ومعظمنا يعلم نكتة ''العصابات الإرهابية المسلحة'' التي تخرج في مظاهرات المعارضة لتعيث في الأرض الفساد وتغيب عن مظاهرات النظام، وكلنا يتألم من درجة ازدراء النظام لعقولنا ونحن نرى يوميا بالصوت والصورة المدن والقرى السورية تقصف بالأسلحة الثقيلة ونرى هزليات تلفزيون النظام السوري المضحكة ''سيئة الإخراج'' حين ينكر كل ذلك ويؤكد أن العصابات الإرهابية المسلحة تقتل المواطنين في أنحاء سورية كافة.
تقول العرب ''إذا كان الكَذِبُ يُنجي فالصدقُ أنجى''، وبكل تأكيد الصدق أنجى على المدى الطويل، بينما الكذب ينجي على المدى القصير، وبكل تأكيد سياسة الكذب لا تصلح لدولة يمتد عمرها لسنوات أو لقرون، وبالتالي فلا خلاف حول فشل سياسة الكذب ومنظومته السلبية في تحقيق الاستقرار لأي نظام مهما أجاد الكذب والتشكيك والتوريط والبهتان، فالحقيقة لا بد ساطعة وإن طال الزمن، والتاريخ يثبت ذلك، فكم من كذبة كبيرة حقق من ورائها أحد الأنظمة أهدافه ما لبثت أن اكتشفت فكانت عليه وبالا ونكدا وأودت به وتمنى أن لو يعود الزمان فلا يفعلها.
وتقول العرب ''يفوتك من الكذاب صدق كثير''، لأنه اشتهر بالكذب فلا تصدق له قولا حتى لو تواترت الأدلة على صدقه، وهنا ينقلب سحر الكذب الذي اعتقد الكذاب أنه منجيه على الساحر فيصبح وبالا عليه، وهذا ما حصل مع النظام السوري، حيث يصرخ أن هناك جهات مسؤولة عن التفجيرات التي حدثت في دمشق وحمص وحلب وغيرها، لكن لا أحد يصدق بعد أنه كذب وافترى ومثل، حيث قتل وفجر ودمر وتواترت الأدلة على كذبه في المرات السابقة حتى رسخ في أذهاننا جميعا أنه ''كذاب أشر''، وعليه أن يتجرع سموم كذبه كما تجرع الراعي تلك السموم حين رأى الذئب يأكل أغنامه وأهل القرية لا ينجدونه لأنه كذب عليهم سابقا أكثر من مرة.
أذكر أن زين العابدين بن علي وعد الشعب الثائر بالإصلاح وكذلك فعل حسني مبارك، وكلاهما لم يقنع شعبه، لأنهما مارسا الكذب على شعبيهما سنوات طويلة، وكانت النتيجة المعروفة. وبكل تأكيد لن يصدق الشعب السوري ولا العالم العربي ولا المنظومة الدولية وعود بشار ونظامه الإصلاحية وسيكون مصيره مصير من سبقه، لأن معظم الشعب السوري لا يثق به بتاتا وإن طالت المدة وتدمرت سورية لأن الشعب يعلم أن تراجعه أكثر ضرراً من هذا النظام الكاذب.
ختاما أقول من - أيا كان موقعه - اعتمد قيمة الصدق والقيم الداعمة لها من العدل والمساواة والرحمة والعطاء والتسامح سيجدها عند أتباعه ساعة العسرة لا أتى الله بها، ومن اعتمد الكذب والقيم السلبية الداعمة لها كالبهتان والافتراء والتوريط والاحتقار وغيرها سيندم ساعة العسرة التي تعجل بها أفعاله أشد الندم، وكلا المسارين متاحان والعاقل خصيم نفسه.