كان الهدف صيانة القضاء وسلطته المستقلة من الاستغلال وحماية القضاة من الامتهان، لذلك صدر أمر ملكي بالتأكيد على القضاة بتجنّب المشاركة السلبية في وسائل الإعلام، إلا أن تعميم الأمر بالمنع الكلي والتحذير بالإبعاد قفز بمستوى السجال بين القضاة السعوديين خلال الأيام العشرة الماضية إلى مستوى متقدم.
فرغم مغادرة القضاة السعوديين وموظفي السلك القضائي في السعودية لصفحاتهم في موقعَيْ التواصل الاجتماعي ''تويتر'' و''فيسبوك'' وزوايا مقالاتهم في الصحف السعودية، على خلفية الأمر السامي الذي صدر الأسبوع الماضي، والذي قضى بمنع القضاة من المشاركات الإعلامية كافةً ضماناً لاستقلال القضاء وحياده، والبُعد عما يسيء للوظيفة القضائية، إلا أن هذا لم يكن حال الجميع.
طالب آل طالب، قاضي محكمة تثليث سابقا كتب مقالة مطولة نشرت إلكترونيا تناول فيها الأمر الملكي الذي أكد أنه ينبع من حرص القيادة على القضاة، إلا أن تفسير الأمر كان أكثر شدة مما ورد في الأمر السامي - كما يقول.
ويضيف آل طالب في مقال انتقد فيه التعاطي مع قرار المنع: ''انظروا لأدب الأمر الملكي في تجنّب لفظة المنع .. والاكتفاء بعبارة ''التأكيد على القضاة بتجنب'' وهو نصح وتوجيه رشيد .. بُني على ما جرت عليه عادةُ التخاطب بين القضاة وولاة أمرهم .. ثم جرى تقييده بعدة ضوابط أجملها في الآتي: ألا تكون مشاركتهم بصفتهم القضائية.. ألا تكون في الشأن العام.. ألا تكون بصورة سلبية''.
ويرى آل طالب أن وزارة العدل تجاوزت المقصود في الأمر الملكي من جهة ونشرت الخبر علانية من جهة أخرى، ويتضح ذلك من قوله'' إذا كان معالي وزير العدل ورئيس المجلس ''المكلف'' لم يكتسب صفة القاضي ليَعُمّه هذا التوجيه الكريم.. فقد أوكلت إليه مهمة إبلاغ القضاة بهذا الشأن عبر برقية سريّة.
ويعتقد القاضي السابق في محكمة تثليث أن حضور القضاة الإعلامي الهادف ضرورة في وقت تقطعت فيه الحبال بين القضاة والمواطنين، وفي وقت صوّرهم خيال مدسوس وناقم على أنهم أجلاف ومتوحشون.. وفيه إلى الثّقة في المعلومات المقدّمة منهم.. واستشعار اللحمة الوطنيّة .. وتدريب القضاة أنفسهم على النقاش والحوار .. وإطلاعهم على واقع الناس ونظرتهم .. أمورٌ تأخذ في حُسْنها بأيدي أمور.
ويتابع'' إذا لم يكن خروج القضاة بصفتهم القضائية واختار القاضي أنْ يكتب منثوراً أدبياً أو بحثاً فقهياً من دون ذكرِ وصفهِ القضائي فما المانع وما الضير .. ولماذا اختار الأمر الملكي مفردة (الصفة القضائية) المعلنة قيداً لذلك.. ثم جاء منْ يفسّرُ الأمر على فهمه ليلغيها.. ويؤكّد أنه سيلاحق الخواطر أياً كانت.. ويحاسب على النوايا والظنون''.
بدأ عدد من القضاة السعوديين وموظفي السلك القضائي في السعودية بكتابة تعليقاتهم الأخيرة قبل مغادرة صفحاتهم في موقعي التواصل الاجتماعي ''تويتر'' و''فيسبوك'' وزوايا مقالاتهم في الصحف السعودية، بناء على الأمر السامي الذي صدر الأسبوع الماضي، والذي يقضي بمنع القضاة من المشاركات الإعلامية كافةً ضماناً لاستقلال القضاء وحياده، والبُعد عما يسيء للوظيفة القضائية.
#2#
السجال حول أداء وزير العدل وملاحظات القضاة تطور في منحى آخر نحو الصراع بين آراء القضاة، خصوصا بعد الهجوم الذي شنه الشيخ إبراهيم العبيدان، القاضي السابق في محاكم نجران، في مقالة له على ''تويتر'' تحت عنوان مهلاً معالي الوزير.. رفقاً بالقضاة، قال فيها للوزير العيسى'' القضاة معالي الوزير آباؤك وإخوانك وأبناؤك في المحكمة العليا والمجلس الأعلى للقضاء وفي محاكم الاستئناف والمحاكم العامة والجزائية والخاصة عددهم يربو على ألف وخمسمائة قاض كُلفت برئاسة مجلسهم من قبل ولي الأمر - حفظه الله - فكان جميع القضاة ينتظرون خير هذا التكليف وجماله وماذا عساه أن يقدم للقضاء والقضاة خاصة في أول جلسة يترأسها معاليكم فالمتفائل علق على معاليكم آمالاً كبيرة في تقديم ما لم يسبقكم إليه أحد ممن تولى رئاسة المجلس قبلكم ثم تفاجأ الجميع باستصداركم قراراً من المجلس يقضي بالتحقيق مع فضيلة القاضي طالب آل طالب لكتابته وجهة نظره حول نظام القضاء وعلاقته بالوزارة ولماّ يصله بعدُ أو يصل غيره أمرُ ولي الأمر - يحفظه الله - بمنع أصحاب الفضيلة القضاة من المشاركات الإعلامية فكان هذا القرار صدمة.
ويضيف'' وياليت الأمر انتهى إلى ذلك بل تبعه تصريحكم التهديدي لأصحاب الفضيلة القضاة في صحيفة الجزيرة بعددها ذي الرقم ١٤٤٥١ والتاريخ ١٤٣٣/٦/١هـ وهي جريدة سيارة يقرؤها الجميع''.
وانتهى العبيدان بالقول: معالي الوزير هل يمكن أن يوجه هذا التهديد وزير العدل الأمريكي؟ أو وزير العدل البريطاني؟ أو وزير العدل الباكستاني؟ أو وزير العدل الأردني؟ أو وزير العدل التشادي؟ أو وزير العدل الصومالي إلى قضاة دولهم؟!''.
وقد ودَّع المغردون السعوديون في تغريداتهم عدداً من القضاة المميزين في مواقع التواصل الاجتماعية، الذين سيشمل منعهم عدم الظهور في الإذاعة والتلفزيون والصحف ومواقع التواصل الاجتماعية، على الرغم من امتلاك بعضهم برامج خاصة بهم، وبعضهم ملتزم بالظهور في برامج الإفتاء.
هذه التصريحات أنتجت ''هاشتاق'' على موقع التواصل الاجتماعي ''تويتر'' تحت اسم ''العبيكان''، ارتفعت فيه وتيرة النقاش الذي تشهده الساحة العدلية في المملكة هذه الأيام، ومنها مسألة الفصل بين وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى، كما أن الدكتور عيسى الغيث كان حاضرا في السجال الدائر بين القضاة وكان من أبرز المغادرين الذي يتابعه في ''تويتر'' أكثر من 34 ألف مغرِّد، والذي أعلن أنه سيوقف حساباته في ''تويتر'' و''فيسبوك'' و''يوتيوب''، كما أن زاويته ''وحي الخاطر'' في صحيفة المدينة ستتوقف بعد مقاله الأخير الذي نُشر الجمعة الماضي.