«حوش بكر».. مرتع للمجرمين وأرباب السوابق ومستودع للمسروقات

يمثل ''حوش بكر'' في مكة المكرمة مرتعا خطرا جدا للمجرمين وأرباب السوابق، فضلا عن عشوائيته السيئة التي تنعكس على جمالية العاصمة المقدسة، وتفقد المكان جزءا من هدوئه ووهجه. وتسعى الجهات المسؤولة بما فيها الشرطة والأمانة والجوازات وكل من له ضلع في هذا الأمر، إلى القضاء على الظواهر السلبية التي يكتنزها هذا الحوش العتيق بسنواته الطوال، والذي وقف صامدا أمام كل المحاولات لإزاحته من خريطة مكة المكرمة. ''الاقتصادية'' طرحت معضلة سوق المسروقات - والذي يطلق عليه أيضا ''قودن قدا'' كمصطلح إفريقي نسبة إلى وجوده وسط حي 90 في المائة من قاطنيه من الأفارقة - على مختصين من الجهات الأمنية وأمانة العاصمة المقدسة والذين طرحوا عدة آراء وحلول، قد تسهم في إنهاء فوضى سوق ''حوش بكر''.

الحل في تسوير الحوش
يقول المقدم عبد المحسن الميمان الناطق الإعلامي لشرطة العاصمة المقدسة: ''''إن هذا السوق وغيره من المواقع المشبوهة في مكة المكرمة يخضع لرقابة صارمة من قبل رجال الأمن الوقائي الذين وباستمرار لهم جولات ميدانية لمراقبة تلك الأماكن وحفظ الأمن فيها''. وأضاف الميمان: ''شاركت شرطة العاصمة المقدسة في العديد من المداهمات التي تنفذها لجنة مكونة من الشرطة وإمارة منطقة مكة المكرمة وأمانة العاصمة المقدسة ودوريات الجوازات ويطلق عليها (لجنة مكافحة الظواهر السلبية)، التي أمر بها الأمير خالد الفيصل. وأسهمت هذه اللجنة في الحد بنسبة كبيرة من العديد من السلبيات التي توجد في هذه السوق وغيرها من المناطق التي ترصدها اللجنة''.
واقترح الناطق الإعلامي حلا ينهي معاناة سوق ''حوش بكر''، وهو تسويره وإقفاله في وجه مرتاديه، وبذلك لن يسمح لأي أحد بمزاولة بيع المسروقات مثل ما كان يتبع في الماضي، مشيرا إلى أنه على حد علمه فقد تم توجيه مالك الحوش بتسويره، وأن هذا الأمر متابع من قبل الجهات المعنية، والذي قد يتم تنفيذه في القريب العاجل.

#2#

استراتيجيات تنذر بالمداهمة
يتخذ مرتادو سوق ''حوش بكر'' تكتيك لعبة القط والفأر، فهم يقومون بوضع أشخاص في نقاط معينة عند مداخل الحي الذي توجد فيه السوق خلال الأوقات التي تكون فيها السوق مفتوحة، تكون مهمتهم المراقبة الدقيقة لما قد يحدث من مداهمة أمنية متوقعة على السوق بين الفينة والأخرى، يقومون بإنذار من في السوق بطرق بدائية عن طريق ''التصفير'' أو بطرق متقدمة نوعا ما وهو الإبلاغ بالجوال لكي يسمحوا لأبناء جلدتهم المتواجدين في السوق بالهرب بسرعة قبل مداهمة فرق لجنة مكافحة الظواهر السلبية''. وفي هذا الصدد يقول لـ ''الاقتصادية'' مصدر مسؤول في إحدى الجهات المعنية بمتابعة السوق، إنهم يضطرون لمواجهة هذا التكتيك بقيادة مركباتهم الخاصة وليس المركبات الرسمية وذلك لمخادعة نقاط المراقبة. ولم يخف المصدر أنهم وفي مرات عديدة نجحوا في مخادعتهم ومصادرة كميات كبيرة من المسروقات أو الأطعمة الفاسدة أو أطنان الحديد المسروق والذي تعج به هذه السوق''.

عنوان شامل للمسروقات
يقول المواطن مصطفى هوساوي - أحد قاطني حي شارع المنصور في مكة المكرمة الذي توجد فيه سوق ''حوش بكر'' - ''أصبحت هذه السوق مرشدا ودليلا لكل من سرق منه شيء، فإذا سرق جوال أو أي من المستلزمات الشخصية فما عليك إلا القدوم إلى هذه السوق لتجد حاجتك المسروقة معروضة للبيع، ولكن لن تستطيع أن تحصل عليه إلا بطريقة واحدة، وهي شراؤه مرة أخرى. '' قالها ضاحكا'' لأن من في السوق لن يجعلوك تأخذه عنوة وسيتصدون لك، وقد يحدث مالا تحمد عقباه لو قاومتهم''. وطالب هوساوي الجهات المعنية بضرورة النظر بحزم وصرامة إلى حال هذه السوق التي أقلقت مضاجعهم، وأصبحت تزحم الحي الذي هو في الأساس عشوائي وضيّق ولا يتحمل توافد الناس عليه. وأشار إلى أن بعض المخالفين لنظام الإقامة من الحج والعمرة قام ببناء المساكن الصغيرة من الزنك والحديد في سفح الجبل واستخدامها كدكاكين ومحال يبيعون فيها الكثير من المواد الغذائية من خضراوات وفواكه، إضافة إلى ما يسمى القورو وهو من الأشياء الممنوع بيعها. وشدد على أن يكون هناك تعاون وتنسيق بين جميع الجهات الحكومية من شرطة وجوازات وأمانة العاصمة المقدسة من أجل القضاء على هذه الظواهر السلبية وتكثيف الحملات الأمنية المفاجئة وخاصة خلال مواسم الحج والعمرة، حيث إنه يلاحظ انتشارا كبيرا لهؤلاء الوافدين الذين شكلوا سوقا عشوائية لبيع المسروقات والممنوعات.

#3#

العشوائيات 70 % من مساحة مكة
انتقدت دراسة أجريت عن واقع العشوائيات في مكة المكرمة والأنظمة العمرانية المتعلقة بعمارة وتخطيط مكة المكرمة، ووصفتها بالقديمة التي لا تعالج سوى مساحة محدودة من مشكلات العاصمة المقدسة، ودعت إلى ضرورة العمل للتخلص من هذه العشوائيات. وحددت الدراسة - التي أعدها المهندس محمد عبد الله آل زيد ''ماجستير هندسة مدنية'' - أسباب انتشار العشوائيات التي وصلت إلى أكثر من 80 حيا عشوائيا وفي مقدمتها عدم وضع وسائل لتنفيذ دراسات سابقة تعنى بمكة المكرمة. وبينت الدراسة أن محاور النمو في العاصمة المقدسة خارجة عن السيطرة لعدم وجود قانون تشريعي لها فالنطاق العمراني الموجود محدود المساحات، كما أن من أهم الأمور غياب النظرية التخطيطية التي تتحرك في ضوابطها التنمية العمرانية حيث يلاحظ وجود عشوائية في اتخاذ القرارات واتباع سياسة الفعل ورد الفعل، وبالتالي أدى ذلك إلى فقدان السيطرة على العمران في المدينة وتفشت العشوائيات. وأكدت الدراسة أن الملاحظ على مكة المكرمة وجود نسيج عمراني معقد ومتشابك يشكل ما نسبته 73 في المائة من مساحة أم القرى وقد نتج عنه سوء البيئة العمرانية نتيجة الفراغات البينية وتداخل استعمالات الأراضي. ونتج عن ذلك زيادة التعدي على الأراضي المملوكة للدولة وبعشوائية حيث تبلغ نسبة العشوائيات في مكة 70 في المائة من المساحة. ودعت الدراسة إلى ضرورة فصل العمليات التخطيطية داخل العاصمة المقدسة التي تسيطر عليها في الوقت الحالي أربع جهات هي: الهيئة العليا لتطوير منطقة مكة المكرمة، وهيئة تطوير المشاعر المقدسة فيما يتعلق بالمنطقة المركزية والعملية التخطيطية للمشاعر المقدسة التي تنفذها وزارة البلديات، وباقي أحياء مكة المكرمة وتتولى التخطيط لها الأمانة أما الجهة الرابعة فهي الشركات الخدمية (المياه والكهرباء والاتصالات والمواصلات وغيرها)، وهو الأمر الذي أدى إلى اختلاف النظرية التخطيطية لمكة المكرمة لقيام أكثر من جهة بهذا الدور دون رابط. وهذا أدى إلى ضياع الهوية البصرية للمدينة نتيجة لعدم وجود نظرية تخطيطية لها وانفصال العمليات التخطيطية داخل المدينة الواحدة وهو نوع من العشوائية الإدارية. ودعت الدراسة إلى ضرورة تقسيم المدينة تخطيطيا طبقا للحالة العمرانية إلى مناطق متدهورة عمرانيا على المحاور الرئيسة للمدينة ومناطق بؤر العشوائيات داخل الأحياء السكنية. وأوصت الدراسة بضرورة حصر مناطق العشوائيات في مكانها ونطاقها، وهذا سيسهل البدء في معالجتها.

مخاطر كبيرة على صحة الإنسان
من جهته، حذر الدكتور محمد فوتاوي - مدير إدارة صحة البيئة - من الأضرار المحتملة التي تخرجها هذه السوق، حيث تباع فيه الأطعمة الفاسدة والمنتهية الصلاحية، مؤكدا أنهم في صحة البيئة يقومون بتكثيف الجولات الميدانية ومصادرة العديد من الأطعمة وغيرها من الفواسد التي تضر بصحة الإنسان، حتى بلغت أطنانا كثيرة خرجت من هذه السوق. وأبان أن ما نسبته 40 في المائة من المصادرات التي تتم في هذه السوق هي أطعمة فاسدة، أما البقية فتتمثل في المسروقات بشتى أنواعها من جوالات، وحديد، وأدوات منزلية مسروقة من منازل في مكة المكرمة وتباع بأبخس الأثمان.

#4#

مشروع « قطار الحرمين» ينهي المعاناة
بارقة الأمل تمثلت في اعتماد حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تنفيذ مشروع قطار الحرمين، الذي بدوره سيخلخل الكثير من الأحياء العشوائية في مكة المكرمة، ومن ضمنها ''سوق حوش بكر''. يقول المقدم عبد المحسن الميمان عن هذا المشروع: ''إنه سيقضي على الأحياء العشوائية التي تعتبر بؤرا للجريمة، وإن المشاريع التطويرية سبيل للقضاء على العشوائيات التي تشهد تنامي الجريمة بفعل البيئة العشوائية للحي وتكاثر الجاليات فيه من جنسية معينة واحدة، ووجود أعداد من المخالفين والمنازل المهجورة''. وأضاف أن الطريق ينجح في تفتيت العشوائيات وبالتالي توفير مداخل ومخارج محددة تساعد في انتقال الأجهزة الأمنية لموقع الحدث، كما سيسهم في توفير جميع الخدمات والمرافق التابعة لكل القطاعات، كما سيقضي هذا المشروع على حوش بكر المشكلة الأزلية التي لازمت الحي لعدة سنوات''. ويهدف المشروع إلى إنشاء مدخل غربي متميز حضاريا يليق بأهمية وقدسية مكة المكرمة من خلال طريق حضري سريع منفصل في اتجاهي الحركة لخدمة الوافدين لمكة المكرمة ورواد الحرم الشريف. وتتوازى مع الطريق مسارات عريضة للمشاة ومسارات لقطار الحرمين. ويشمل التطوير إنشاء منظومة طرق فرعية متعامدة تمتد داخل النسيج العمراني الشمالي والجنوبي للطريق، وتطل عليها مبان حديثة ذات عمارة إسلامية متطورة الطابع تمتد شمالا حتى حدود طريق أم القرى وجنوبا حتى الحدود الجنوبية للمشروع، وكذلك سيساعد الطريق على تسهيل حركة المركبات بأنواعها والمشاة وفك الاختناقات المرورية في المنطقة المركزية، مع استحداث وسائل نقل كهربائية سريعة لخدمة زوار الحرم الشريف وأهل مكة المكرمة، ويساعد مسار الطريق على تطوير المناطق العشوائية المتهالكة المحيطة بمساره ويرتقي بها عمرانيا وبيئيا، ويتوسط مسار الطريق مسجد الملك عبد الله بن عبد العزيز والذي يشكل معلما حضاريا ومركزا ثقافيا متميزا في مكة المكرمة تحفه الحدائق العامة من الجنوب وتنتشر على طول المسار أماكن للصلاة ومبان عامة ومحطات نقل كهربائي.