صناع اللعب وصانع الملابس!

لاعبون أبصرنا كرة القدم على على نجوميتهم، ملأوا المدرجات فرحاً بلمساتهم وفنياتهم وأهدافهم، فعشقنا الكرة كجزءٍ من عشقنا لهم. يطلق عليهم ''القدامى''، ومن يفتح صفحات التاريخ الذي سطّر إنجازاتهم لن يعرف الندامة، لعبوا بتفانٍ وإخلاص من أجل كرة قدم خالصة، لم يكترثوا لمقدم العقد أو قيمة الراتب الشهري، بل إنهم لم يوقعوا على عقود احترافية ولم يعرفوا أصلاً معنى (العقد الاحترافي)؛ لأنهم لعبوا من أجل المتعة في الوقت الذي كانت فيه كرة القدم مجرد لعبة لا تتعدى خطوط المستطيل الأخضر وإن تعدت، فإنها لن تصل إلى نقطة أبعد من صفحات الجرائد، ولكن وصف كرة القدم في عصرنا الحاضر اختلف تماماً.
كرة القدم لم تعد كما كانت مجرد ''لعبة'' تتكون من ملعب عشبي و22 لاعبا يقودهم مدرب، بل أمست ''صناعة'' تضخ فيها المليارات وتجذب الاستثمارات، النجاح فيها لا يقاس بعدد الألقاب والبطولات وإنما بتحقيق الإيرادات؛ فمن دون تدفق المال لن تستمر اللعبة. كرة القدم بشكلها الحالي في حاجة إلى مختصين في علوم إدارة الأعمال والتمويل والإعلام والتسويق والقانون والإحصاء.. ومع ذلك، أجد أن الإدارات الرياضية على مستوى الأندية الخليجية تعج بالمسؤولين الذين لو اطلعنا على سيرهم الذاتية لوجدناها صفحات بيضاء خاوية كتبت عليها كلمتان: ''لاعب سابق'' ! وإن دفعك ''الفضول الرياضي'' إلى مبادرتهم بالسؤال التالي: ماذا تعرفون عن الإدارة الرياضية؟ لأجابوا على سؤالك بنبرةٍ عدوانية: ''نحن أهل اللعبة، ونحن من مارسناها... ماذا تعرف أنت عن كرة القدم؟'' حسناً، ما أعرفه حسب معلوماتي المتواضعة هو أن بعضكم من مواليد ''سنة السبلة'' والبعض الآخر ودع الملاعب في أيام كرة ''أديداس تانغو'' التي أنتجت عام 1978 لتكون الكرة الرسمية لكأس العالم في الأرجنتين. ومنذ عام 1978، أنتجت شركة ''أديداس'' 12 إصدارا من كرة ''تانغو'' ومازالت عقولكم يا ''أساطير'' كرة القدم متعلقة بالإصدار الأول منها.!
ما أعرفه عن كرة القدم هو أن ديفيد برنستين - رئيس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم - الذي ينظم أقوى مسابقة دوري على مستوى العالم هو رجل أعمال ناجح لم يلعب كرة القدم قط، يمتلك شركات صناعة ملابس إنجليزية رائدة في قطاع التجزئة على مستوى العالم، إضافة إلى امتلاكه سلسلة مطاعم إيطالية واسعة الانتشار في بريطانيا والشرق الأوسط. قد لا يتقن السيد برنستين لعب الكرات العرضية، وقدراته التهديفية قد تكون موضع شك، لكن مما لا شك فيه هو أنه عقلية تجارية جبّارة ومحترفة تتقن تحديد الأهداف ووضع الخطط الاستراتيجية. فأين أنتم يا من اعتزلتم اللعبة قبل تطبيق قاعدة التسلل من تنظيم مسابقة تضاهي المسابقة التي ينظمها ''صانع الملابس'' برنستين؟.. لغة الواقع تقول إنكم تقفون على بعد 30 ألفاً من السنين الضوئية.
لست بصدد الدعوة إلى إقصاء اللاعبين السابقين عن العمل في كرة القدم بعد الاعتزال، ولا أطلب منهم التكرم بالجلوس في بيوتهم، ما أرمي إليه هو التنويه إلى أن (صناعة اللعب) داخل الملعب تختلف اختلافاً جذرياً عن (صناعة اللعبة) في مجالس الإدارات وقاعات الاجتماعات؛ ولذلك أرجو من ''القدامى'' الأفاضل الالتزام بالبقاء في مناطقهم الفنية وعدم ارتكاب أخطاء تكتيكية. حتى قواعد اللعبة داخل الملعب تغيرت في زمننا هذا عن الزمن الذي كانت فيه الفرق تلعب فيه بمدافعين ولاعب وسط واحد وسبعة مهاجمين!.

آخر فنجان:
كشفت لنا السنوات أن أقدام وأكعب بعض اللاعبين المعتزلين أفضل بكثير من عقلياتهم وفكرهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي