علي فرزات يحكي قصته مع طغيان النظام السوري
بمجرد أن بدأ رسام الكاريكاتير السياسي علي فرزات تصوير الرئيس السوري بشار الاسد وكبار رجال الحكم في لوحاته علم أنه معرض للحطر. وكان الرسام البالغ من العمر 60 عما يتفادى دائما تصوير أي أشخاص في لوحاته التي ينتقد فيها الفساد والمحسوبية. لكن الفنان شعر قبل بضعه أشهر من اندلاع الانتفاضة على حكم الاسد العام الماضي أن الرئيس السوري تمادى في قمع حرية التعبير والمعارضة.
وقال فرزات خلال معرض لرسومه في العاصمة البريطانية لندن "معروف أن رسوماتي تتناول ممارسات وليس أشخاص. لكن في الفترة الاخيرة شخصنت الزعماء وصناع القرار وهذا أمر مثل ما قلت قبل شوي -الى حد ما- غير متعارف عليه وغير مقبول بالنسبة للشارع. ولكن تجاوب الشارع حمسني أكثر في أنه أستمر في اخراج الكاريكاتير من الرمز الى الواقع. وصار الكاريكاتير يرفع في الشوارع مع المتظاهرين فصار بالنسبة لهم أيقونة. فهذا دفعني أنه أتحمس أكثر وبالتالي أتعرض للحادث."
بنشر فرزات رسما صور فيه الاسد مترددا في قطع ورقة أحد أيام الخميس من رزنامة لادراكه أن يوم الجمعة التالي له سيشهد المزيد من مظاهرات الاحتجاج الحاشدة.
ثم تلاه برسم اخر صور فيه الاسد يطلب من الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي أن يقله معه في سيارة ورسم ثالث يصور الاسد واقفا بجوار مقعد وثير لكنه لا ستطيع الجلوس عليه.
وقال فرزات "عملت كاريكاتير ثاني.. هذا المقعد القاعد عليه وما يستطيع أنه يجلس عليه وهذا نذير بأنه انتهى يعني كل شي."
وذكر فرزات أن ثلاثة رجال ملثمين وصفهم بأنهم من "شبيحة الاسد" أنزلوه بالقوة من سيارته وانهالوا عليه ضربا بالعصي قبل أن يضعوه في مركبتهم حيث واصلوا ضربه.
وقال فرزات لرويترز "وكانوا يضربوني على رلاسي وقال اكسر له ايديه عشان -لكي- ما يرسم على أسياده.. يعني على الرئيس. -وقالوا- حذاء بشار أحسن من رأسك. ويضربوا هاي -هذه- ويضربوا هاي ويضربوا هاي. -يشير الى يديه-. كسروا لي يدي من هون هيك -هكذا- كسروا لي اياها. هاي صارت كمان.. ما عاد فيني -أستطيع- اقول هيك -يحرك يده-. جسمي كله رضوض صار معي ارتجاج بالدماغ خفيف ولكن طبعا تصلح -شفي-."
وذكر فرزات أن الرجال طرحوه في الشارع معتقدين فيما يبدو أنه لاقى حتفه. وحمله رجل غريب الى المستشفى حيث عولج من اصاباته قبل أن يغادر سوريا الى الكويت حيث حصل على تصريح بالاقامة.
وأثار الاعتداء على فرزات غضبا في سوريا حيث اعتبر اشارة الى أن الاسد لن يقبل أي معارضة حتى من رجل كان يعرفه شخصيا.
ويتذكر فرزات لقاءات مع الاسد في التسعينات عندما كان لا يزال ابن الرئيس وحواراته التي كان يبدي خلالها بشار رغبة صادقة في معرفة رأي "رجل الشارع".
وكان الاسد يزور لامعارض الفنية ويناقش القضايا السياسية مع فرزات وغيره من الفنانين والمثقفين والمفكرين.
وحصل فرزات في عام 2001 على ترخيص باصدار صحيفة ساخرة باسم "الدومري" كانت أول صحيفة مستقلة تصدر في سوريا منذ الستينات.
وذكر فرزات أن فترة انفتاح الاسد القصيرة على الرأي الاخر انتهت فجأة وأغلقت صحيفته واضطر كثير من الفنانين والمثقفين في سوريا الى الرحيل عنها.
وقال فرزات في لندن "بس -لكن- ما باعرف شو اللي -ما الذي- صار فجأة. وتطلعنا عليه ما عدنا لقيناه. يعني كان فيه مشاكل كثير كانت نحن باستمرار على تواصل معه. فجأة انقطع التواصل.. ما عاد فيه أي علاقة.. ما عاد فيه أي شيء على الاطلاق. سكروا -أغلقوا- لي الجريدة ولا كأنه فيه شيء صار."
وقال فرزات أنه حذر من أزمة وشيكة في عام 2007 اذا لم تنفذ الحكومة اصلاحات سياسية جذرية. والان يرى الفنان أن الانتفاضة على حكم الاسد وصلت الى نقطة اللا عودة.
وقال "مو -ليس- القياس هو الوقت. القياس الحقيقي هو كسر حاجز الخوف. لما انكسر حاجز الخوف انتصرت الثورة. أما متى تنتهي.. ها -هذه- مسألة وقت. بس النصر الحقيقي هو لما انكسر حاجز الخوف. الناس ما عادت ترجع للوراء. ما عادت ترجع لبداية الامر. اليوم فيه صديق لي بطلع في المظاهرات. قلت له أنت بتخاف أنه حدا يقوسك -يقتلك أحد-... قال لي بعد ما أنا أسمعت صوتي بعد 40 سنة.. لو انقتلت ما بهمني لانه أنا صرت أسمع صوتي. أول مرة باسمع صوتي... كان صوت أخرس.. فكيف بدك اياني أرجع للوراء. وهيك -هكذا- الشعب كله."
ويقال ان فرزات تلقى أيضا تهديدات بالقتل في الثمانينات من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. ويؤكد الفنان حاليا عزمه على العودة الى دمشق ان احلا أو عاجلا.
وقال "باقول بكرة بدي أنزل على الشام. بقولوا لي لا ما تنزل. نحن بحاجة اليك أكثر.. يعني انه احنا نتواصل معك. لكن كل يوم أنا يخطر ببالي بعد ما طلعت اقامة أنه أقدر.. يعني يوم من الايام راح أعملها. راح أنزل -غير مفهوم-. بس أنا ما باقدر أبعد كثير عن الشام."
وعاد فرزات الى العمل بعد الاعتداء الذي تعرض له رغم أن يده اليمنى لم تشف تماما من الكسر. ورسم الفنان في واحدة من أحدث لوحاته زهرة صعيرة ترفع دبابة ضخمة في الهواء.
ويستمر معرض لوحات الفنان على فرزات في لندن الى يوم 29 من مارس اذار.