مصلحة الإحصاءات تؤكد أن محافظة جدة يفوق عدد سكانها أربعة ملايين نسمة، وتقرير الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان من خلال جولاتها الميدانية يؤكد أن وجود ألف و500 سرير مقارنة بعدد سكان محافظة جدة أمر لافت ويستحق أن يُشار إليه في تقرير خاص يعد لهذا الغرض، فهناك تأخير في مواعيد المرضى ونقص واضح وكبير في عدد الأطباء، وهذا الوضع الصحي يجب الرفع عنه إلى الجهات المعنية لضرورة تشكيل لجنة عليا لتقييمه من جميع الجوانب والبحث عن الحلول العملية، فالقضية ذات صلة وثيقة بحق الإنسان في العلاج والحصول على الخدمات الصحية.
إن تقرير حقوق الإنسان لا يشير إلى قضية ترفيهية، بل إلى وضع مزرٍ لكم ونوع الخدمات الصحية في محافظة جدة، وهو ما ينعكس على حقوق الشريحة الأضعف في المجتمع، حيث يتعذر الحصول على العلاج الطبي اللائق وبسعر يناسب، فالمقتدر لا يواجه بل لن يواجه مشكلة في العلاج، فكل الطرق أمامه مفتوحة ومنها السفر للعلاج في الخارج، ولكن من لا يستطيع فعليه أن يزاحم للحصول على سرير من بين 1500 سرير يتنافس فيها المرضى من بين أربعة ملايين مواطن ومقيم.
هذه القضية جديرة أن تثار في تقرير حقوق الإنسان وأن تعلق الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الجرس ليسمع المسؤولون في وزارة الصحة عن حجم القصور في الكم والنوع للخدمات التي هي من مسؤوليات وزارة الصحة بالدرجة الأولى ويشاركها في ذلك القطاع الخاص الذي يحجم عن الاستثمار في الخدمات الصحية لأسباب تحتاج إلى عقد أكثر من ندوة مشتركة بين القطاعين العام والخاص لفهم طبيعة المعوقات ومن ثم التغلب عليها.
لقد أشعرت الشؤون الصحية الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان رسمياً عن تأخر تسليم ثلاثة مشاريع صحية سعتها السريرية ألف و200 سرير، وأن معظم نسبة الإنجاز فيها يفوق 75 في المائة فقط مما هو مقرر إنجازه، وهذا حسب تصريح الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، ومن الواضح هنا أن الشؤون الصحية لجأت إلى حقوق الإنسان لتحريك قضية التأخر في مشاريعها ومعاناتها مع تحقيق مهمتها ودورها ووظيفتها وفي ذلك ما يكفي من الإشارة إلى أن حقوق الإنسان ملاذ للأجهزة الإدارية أيضا لبث معاناتها.
إن العمل في المشاريع التي شملتها زيارة حقوق الإنسان يسير ببطء شديد لأسباب منها نقص كبير في عدد العمالة التي تنفذ المشاريع، وعدم تهيئة الكادر الطبي الذي سيدير ثلاثة مشاريع صحية ضخمة وهو من مستلزمات تشغيل تلك المشاريع، فضلاً عن توفير التجهيزات الطبية، وهذا من الأسباب التي تدفع بالكثير من المواطنين إلى مستشفيات القطاع الخاص نتيجة لما تسفر عنه طول المواعيد مع ارتفاع نسبة كبيرة في أسعار الخدمات الطبية في القطاع الخاص.
إن الدراسات المتوفرة لدى جمعية حقوق الإنسان تشير إلى حاجة محافظة جدة إلى ما لا يقل عن ثلاثة آلاف و500 سرير، هذا فضلا أن هناك تزايدا في حجم الطلب وإقبالاً من المواطنين والمقيمين في بعض المحافظات والمناطق القريبة من جدة للحصول على العلاج، وهو يضيف عبئاً ثقيلاً على مدينة جدة وخدماتها الطبية والتي بالكاد تفي باحتياج أقل من نصف سكانها، وأن تقرير جمعية حقوق الإنسان نداء مفتوح إلى رجال الأعمال للاستثمار في هذا القطاع البالغ الأهمية والذي يحقق أرباحا جيدة مقارنة بقطاعات أخرى، ولكن لن يجدي مجرد عرض المشكلة ولكن جانباً من البحث والدراسة يجب أن يتم من أجل تشخيص حالة الخدمات الصحية في المملكة وإعطاء وصفة علاج ناجعة قبل أن يستفحل داؤها ويتعسر دواؤها.