«المعسل» يرحل خارج النطاق العمراني.. وجمرة الأسئلة لم تنطفئ

«المعسل» يرحل خارج النطاق العمراني.. وجمرة الأسئلة لم تنطفئ

لن يكون أمامك المزيد من الوقت لتعرف سببًا واضحًا لكمية الإبهار البصري التي تصاحب عرض "رؤوس" المعسل في المحال التي تبيعها، كما لن تجد متسعًا للتفكير في طبيعة الارتباط الموضوعي الذي يجعل هذه المحال مجاورة غالبًا لمتاجر بيع الملابس الرجالية، فالقرار الصادر أخيرًا من الجهات المعنية يقضي بعدم تجديد تراخيص محال الشيشة والمعسل داخل المدن، وهو ما يعني عمليًّا انتقالها إلى خارج النطاق العمراني في حال رغب أصحابها في البقاء ضمن النطاق التجاري لهذا المنتج تحديدًا.
وبالعودة إلى سياق القرار يرى البعض أنه ربما كان هناك تحركات مكثفة في أوساط الجمعيات الخيرية والمناشط الاجتماعية، قد دعت إلى وقف بيع "المعسل" داخل الأحياء السكنية وفي الشوارع العامة، وذلك في وجود عدد من المبررات، فعلى المستوى التربوي والاجتماعي هناك من يرى أنها باتت مكانًا لتجمع المراهقين وصغار السن وتوفر لهم بيئة مرخصة "في ذلك الوقت بالطبع" لممارسة هذا الإدمان، المليء بالمنكهات التي تستهوي الكبار أحيانا.
ورأى مختصون اجتماعيون أن وضعًا كهذا يمكنه أن يقود النشء إلى الوقوع في إشكاليات أخطر قد يكون حدها الأدنى فقط الإدمان على التدخين، كما أن البعد الصحي لا بد أن يكون حاضرًا وراء الدعوة إلى منع بيع "المعسل" داخل الأحياء ولا سيما في ظل الاتفاق على مضاره، فضلا عن المواد الخطرة التي تحملها مكوناته.
وعلى الرغم من تنوع المسميات من "النارجيلة" أو "المعسل" أو "الجراك"، وتعدد مستويات "الفخامة" بحسب التعبير المتداول، وكثرة النكهات والخلطات من البحريني إلى عنب التوت والتفاحتين، فإن الأمر لن يختلف كثيرا بعد الآن، وإذا كنت من الفئة التي لا تدخن ولا تهتم "للشيشة" فسيكون بإمكانك أن تشتري شماغًا مثلا دون أن تنظر إلى المحل المجاور الذي يتسم بالأناقة ويزدحم بأشياء ملونة معروضة بعناية، ويفوح برائحة فاكهة معادة التدوير، محل المعسل بالنسبة لك هو المكان اللافت الذي لا يمكنك أن تحصل منه على أي شيء، واعتبارا من الآن فلن تواجهك هذه المفارقة مرة أخرى داخل المدينة.. لكن كثيرين غيرك سيشكل الأمر لهم فارقًا كبيرا، ولا يتعلق الأمر فقط بالشباب الذين يحرصون على زيارة هذه المحال بشكل شبه يومي وتمثل لهم محطة "إمداد" أساسية قبل أي رحلة تنزه. بائع المعسل أبو محمد اليمني تحدث لـ"الاقتصادية" عن تبعات إغلاق محله بأمر البلدية بناء على الوضع الجديد، معتبرا أن هذا القرار كلفه خسارة تزيد على 50 ألف ريال، وإن كان يؤكد أن هذا لن يثنيه عن الاستمرار في هذا النشاط التجاري حتى بعد انتقاله اضطراريًّا من محله في شارع خالد بن الوليد إلى البحث عن مكان ملائم على طريق القصيم.
وإن كان أبو محمد لا يفضل الحديث كثيرا عن التبعات التربوية والصحية لبيع المعسل داخل المدن لأنها لا تعنيه أصلا، معتبرا أن هذا يدخل في إطار "كسب لقمة العيش"، فإنه يتحدث بجدية أكثر فيما يخص الخسائر التي لحقت به، فيقول "مع الأسف" علينا أن ننفذ هذا القرار، ولكن لا أحد منا يعرف إلى أين يتجه للحصول على تعويضات".
الجمرة التي لم تنطفئ بعد في هذا القرار- كما يرى الكثير من التربويين- هي أنه قام بحل المشكلة جزئيا ليس إلا، إذ إن التبغ على سبيل المثال ليست له محال مخصصة، وهو ليس بحاجتها على أي حال حيث يباع في مختلف المتاجر ولمختلف الفئات السنية، على الرغم من أن هذا أمر يخالف القانون في معظم دول العالم المتقدمة، كما أن شراء علبة السجائر بكل أضرارها الصحية والاجتماعية والتربوية، ما زال يعد خيارا "عمليا أكثر" بالمفهوم الإدماني للكلمة!

الأكثر قراءة