منوعات

رحيل عازف السلام الوطني طارق عبد الحكيم

رحيل عازف السلام الوطني طارق عبد الحكيم

ودعت السعودية أمس عميد الفن السعودي وعازف السلام الوطني الموسيقار طارق عبد الحكيم، الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى في العاصمة المصرية القاهرة، عن عمر يناهز الـ 90 عاما بعد معاناة مع المرض. وفقدت المملكة برحيل هذا الرجل الذي قدم العديد من الروائع الفنية والمواقف الإنسانية، أنموذجا للإبداع الفني الذي دعم عدداً من الأسماء التي أصبحت اليوم نجوما.. وليس له وصف إلا كما قال عنه الفنان الراحل طلال مداح "إنه قبطان سفينة الألحان والأنغام السعودية وقائدها إلى مرافئ الفنون العربية". فمن إبداعاته التي لا تكاد تنسى والتي طالما رددها الكثير من السعوديين "يا ريم وادي ثقيف"، و"حبيبي في روابي شهار ما بين الوج والمثناة"، وقد تعاون مع عدد من عمالقة الفن العرب من بينهم: وديع الصافي في "لا وعينيك"، وسميرة توفيق في "أشقر وشعره ذهب". فمنذ مطلع الخمسينيات الميلادية انطلقت بدايات الموسيقار السعودي طارق عبد الحكيم، بين مزارع والده في ضاحية المثناة إحدى ضواحي الطائف، حيث يمتهن أهلها حرفة الزراعة والرعي وتشتهر بمزارعها ومياهها العذبة وزراعة أجود أصناف الفاكهة والخضار، ولد طارق عبد الحكيم، حيث كانت موسيقى الطبيعة تعزف أجمل ألحانها وينهل الصغير منها ويختزن إيقاعات الكون وأصداء التراث القديم. من هذه الأجواء صارت الموسيقى ولعه وولهه وعشقه حتى تحقق لجيلين أن يدينا لموسيقار الجزيرة طارق عبد الحكيم بتفجير متعة الحس في الروح عبر الموسيقى التي أبدعها، وأشبع بها عواطف الجيلين بما يرفد الوجدان الإنساني، ويرقى به إلى قمة الإحساس بالجمال، وبمتعة الأمن النفسي الذي تشيعه الموسيقى - كما عبر عن ذلك الراحل الكاتب عبد الله الجفري - في تقديمه للكتاب الذي جمعه إسماعيل عيسى حسناوي عن عميد الفن السعودي الموسيقار طارق عبد الحكيم وتضمن رصدا لحياته وأعماله الفنية، وحكايته مع الفن، ومؤلفاته الموسيقية والمناصب التي تولاها والشهادات التي حصل عليها، حيث رأس المجمع العربي للموسيقى بجامعة الدول العربية، وعد أول موسيقي عربي يحصل على جائزة اليونيسكو للموسيقى «الأوسكار» من المنظمة العالمية «المجلس الدولي للموسيقى» عام 1981م، كما يعد سادس موسيقي في العالم يحصل على جائزة اليونيسكو في الموسيقى. وبحسب الكتاب فإن طارق عبد الحكيم التحق بالخدمة العسكرية سنة 1939 وحصل على مرتبة ملازم ثم انتقل من الطائف التي كانت مركز الجيش السعودي آنذاك إلى الرياض وعرف فيها مغنياً وعازفا ًهاوياً، وأسهم في تأليف مارشات عسكرية وتطوير وتوزيع النشيد الوطني. وقد تدرج طارق عبد الحكيم في الرتب العسكرية إلى أن أصبح عميدا في الجيش بعد مروره بعدة مناصب منها: مدير فني لموسيقات الجيش العربي السعودي، ومدير نادي ضباط الجيش، ثم انتقل إلى مديرية الشؤون الإذاعية والصحافة والنشر وأسس فرقة موسيقى الإذاعة، ثم عين مديرا لموسيقى الأمن العام ومشرفا على معهد التربية الرياضية التابعين لوزارة الداخلية، ثم نائبا لرئيس الجمعية العربية السعودية للفنون في أول مجلس لإدارتها عند تأسيسها قبل نحو 40 عاما، وكان الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن رئيسا لمجلس إدارة الجمعية، ثم بعد ست سنوات على تأسيس الجمعية تم تعديل اسمها إلى الجمعية العربية للثقافة والفنون، ثم كلف عام 1974م بتأسيس نادي الأمن العام لخدمة ضباط وموظفي الأمن العام في الرياض، ثم انتقل لوزارة الإعلام مشرفا عاما لموسيقى الإذاعة والتلفزيون، وأسس إدارة الفنون الشعبية التابعة للرئاسة العامة لرعاية الشباب وأصبح مديرا لها. وقد تمكن عبد الحكيم من أن يخرج الأغنية السعودية الحديثة من عنق الزجاجة ليظهرها على الساحة الفنية العربية بطابعها المميز ونكهتها الخالدة معلنا ميلادها وانطلاقتها الحقيقية وشيوعها في الساحة الفنية العربية من المحيط إلى الخليج. ورصد المؤلف حسناوي فهرسا لأغانيه وألحانه حيث بلغ عدد الأغاني العاطفية التي أداها ولحنها وأداها فنانون سعوديون وعرب نحو 252 أغنية، وتجاوز عدد ألحانه 500 لحن، وبلغ عدد المطربين والمطربات الذين تغنوا بألحانه 140 مطربا ومطربة، أما كتاب الكلمة الغنائية والشعراء الذين تعاون معهم فبلغ عددهم 157 شاعرا وشاعرة، وبلغ عدد الأناشيد الوطنية في هذا الجانب 104 أغان، إضافة إلى 17 نشيدا وأوبريتا دينيا. وقد أسس طارق عبد الحكيم متحفا وطنيا للفنون والتراث عرف بـ «قلعة الفنون التراثية»، ففي خريف العمر لم ينس أو يتناسى عميد الفن هوايته وعشقه للفن والفنون، فهو حبه وشغفه الذي نما وترعرع في كيانه ووجدانه منذ نعومة أظفاره وأينع مع مرور الأيام وطي السنين كالمروج الوارفة الظلال حتى أصبح الفن هاجسه وولعه وجزءا لا يتجزأ من أهداف حياته وأمنياته التي يسعى جاهدا لتحقيقها في مشوار حياته. فبعد عودته من القاهرة عام 1953 حرص عبد الحكيم آنذاك على تجميع وحفظ كل أعماله الفنية من أشرطة وأسطوانات ومقطوعات ونوتات موسيقية، إضافة إلى الصور الفوتوغرافية المؤرخة التي جمعته مع عمالقة الفن ورواده منذ بدايته الفنية الحقيقية في الخمسينيات والستينيات الميلادية في القاهرة وبيروت. وقد استطاع طارق عبد الحكيم أن يحقق حلمه الذي كان يراوده منذ صباه، ويشيد متحفه الشخصي الكبير من دورين في حي النهضة في جدة على مساحة كبيرة من الأرض جعلها خصيصا لهذا المشروع العملاق، وأطلق عليه «قلعة الفنون التراثية للعميد الموسيقار طارق عبد الحكيم» وغدا الحلم حقيقة تتراءى للعيان، وأصبح المتحف معلما من معالم مدينة جدة يضم بين جنباته نحو 20 ألف قطعة من التحف الأثرية القديمة من الحرف والمشغولات اليدوية، كالخزف والخوص والصوف والنحاس والجلد والأواني الخشبية والدباغة وتطريز الملابس والصباغة وأدوات الصيد البرية والبحرية والزراعة والطهي والنجارة والحدادة والبناء وعمل الملابس وكيها وصياغة الحلي والحلاقة والعطارة والجزارة وتنجيد الفرش ومقاطيع الورد والزهر وصناعة الحلوى. واليوم وقد رحل ابن هذه الأرض الطيبة الذي نفتخر وتفتخر البلاد بما قدمه وصنعه من مجد وإبداع ليخلد ذكراه في سجل المبدعين - رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من منوعات