هل يمكن أن يبني المسكن عمال سعوديون؟

يعد قطاع الإنشاءات أحد أكبر القطاعات الاقتصادية والمحرك الرئيسي في أي بلد، وهو رافد اقتصادي مهم بما يستخدمه من موارد بشرية ومواد بناء إن كانت منه وتستخدم موارده الوطنية، إلا أنه من الملاحظ أننا في المملكة لا يعمل في هذا القطاع غير وافدين من كل أنحاء الدنيا، وأن بناء مساكننا ومشاريع التنمية بكاملها في هذا القطاع الاقتصادي المهم ومن أول لبنة فيها إلى عتبة الباب يندر أن ترى أيدي وطنية تعمل فيه، وهي تتم من خلال أيد غير وطنية.
ومن خلال الملايين من العمالة الوافدة الذين يتعلمون ويتدربون في صناعة البناء وبما يتاح لهم من فرص في المدن والقرى يتم بناء الأحياء دون تقييس أو نظم بناء واضحة أو ترخيص بمزاولة مهنة بشكل صحيح، ليس هذا فحسب بل مع كل ذلك هناك كم هائل من العمالة التي تقبع في آلاف الورش بالمناطق الصناعية لتنتج مواد تستخدم في بناء المساكن رديئة الصنع، ولم يجر لها أي اختبارات لجودتها ومتانتها أو حتى اختبار مدى ما تحمل من مواد مشعة أو مضرة بالبيئة بل يتم تركيبها دون أي ضمانات.
لقد كان بناء المسكن فيما مضى يتم - بمواد أولية - من نبع البيئة وسواء من الحجر أو الطين من خلال (الاستاد) الذي يعد في ذلك الوقت المعماري والإنشائي؛ حيث يصمم وينفذ مع مجموعة من سواعد أبناء الوطن دون الحاجة إلى أي عمالة خارجية. وقد بنيت مدن وقرى المملكة على هذا النمط الجميل والذي نعايش فقط ذكرياته الجميلة.
واليوم يبني البعض هذه الذكريات على شكل ملاحق صغيرة تلتصق بالمساكن كي يشم منها الأجيال عبق الماضي، إلا أنها وللأسف تبنى بسواعد غير وطنية مما يجعل الرائحة تختلف!.
وقد يبدو السبب أننا في الفترة الماضية وبسبب حجم الطلب تم تبني نظم عمرانية مختلفة في معظم مساكننا بشكلها الـ (خرساني) والذي تطلب بداية أن تستجلب العمالة التي تحسن التعامل مع (الخرسانة) وبقي الأمر على ذلك مع سنوات (الطفرة) العمرانية الماضية حتى يومنا هذا.
إلا أننا لا بد أن نخرج من ذلك (النفق) باستحداث نظم عمرانية حديثة تتطلب عمالة ماهرة يمكن للشباب السعودي أن يلتحق بها ويتقنها.
ولست بصدد البحث عن إعادة تلك النظم إلى واقع الحياة اليوم ولكن أجد أن الفرصة التاريخية السانحة اليوم هي أن نخطط لبناء مجمعات سكنية هائلة تستوعب الفجوة التي حدثت خلال الفترة الماضية، ولذلك فإن استحداث نظم بناء حديثة يتطلب مهارات خاصة ونظم بناء متطورة تستخدم التقنية والمواد التي تنتج من لدائن البترول كالأرضيات والحوائط وكافة المنتجات البتروكيماوية التي تتطلب عمالة ماهرة في تركيبها وتنفيذها، هو مطلب ملح في هذا الوقت بالذات؛ ذلك أن هذه المشروعات لها وضعها الخاص من حيث التمويل والإرادة والإدارة، ومن الخطأ أن تنهج نفس نظم البناء التي لها مشاكلها في المجتمع العمراني اليوم؛ ذلك أنه إذا كان لدينا اليوم ثمانية ملايين وافد فإن هذه المشروعات سوف تزيد أعداد الوافدين بشكل مهول.
أما إذا استحدثنا نظم بناء حديثة تستخدم كما ذكرت التقنية ويحدث تعاون كبير بين المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني وبين وزارة الإسكان ووضعت الخطط كي يبني المسكن عمالة سعودية تقنية ومهنية فإنه بمقدورنا أن نجعل ذلك واقعا إذا ما نفذت مع المساكن تلك الخطط.
وعلى سبل المثال لو تم تنفيذ المشاريع الإسكانية بنظام الخرسانة سابقة الصنع (البريكاست). هو نظام في تصوري رائع يفتح الفرصة لشبابنا المساهمة في ذلك المجال ويحد بشكل كبير من العمالة (النجار، أعمال اللياسة، ... إلخ) والتي تصعب على الشباب الالتحاق بها والتي أغلق المعهد الخاص بها.
أما إذا تبنت مشاريع الإسكان في المملكة هذا النظام من البناء وتم تدريب الشباب على تركيب تلك الأبنية فإنه بمقدورهم أن يعملوا في بناء المساكن السابقة الصنع (البريكاست) مما يعطي فرصا كبيرة للشباب في الالتحاق بها.
وأنه بمقدورنا أن نجعل مساكننا تبنى بسواعد أبنائنا إذا نفذنا مع المسكن برامج تدريب على تلك النظم العمرانية الحديثة للشباب، وألزمنا الشركات المنفذة لهذه المساكن أن تنفذ هذه النظم من البناء، وأن نضع معايير لتلك الأبنية الحديثة بأن تستخدم مواد بناء تنتجها مصانع محلية يعمل بها عمالة وطنية، وأن يقوم بتنفيذها عمالة وطنية، وأن تكون منافسة بين الخرسانة والتقنية، وسوف أراهن بنجاح التقنية. إن الشباب اليوم يعيش التقنية ليل نهار، فيجب أن تبنى مساكننا التقنية في الغد بأيد وطنية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي