إفريقيا من الاستعمار إلى الاستثمار
- اختتمت منذ أيام منافسات بطولة كأس أمم إفريقيا 2012 وتركت خلفها دروساً وعبرا أكبر بكثير من كرة القدم بأطرها كافة. دروس في تقلبات التاريخ، وعبر عكست الوجه الحضاري للعبة الشعبية الأولى على مستوى العالم.
- أهداف عدة أبرزها ''اقتصادية''، دفعت قوى الاستعمار الأوروبية الكبرى إلى بسط سيطرتها عنوةً على القارة الإفريقية في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي. دأب الأوروبيون خلال فترة استعمارهم لإفريقيا على خلق عبودية جديدة مستمدة من عقائد الجاهلية السحيقة، ونهبوا ثروات شعوب القارة الغنية بمناجم الذهب والألماس والبلاتين والنحاس وقاموا بتصديرها (دون مقابل) إلى أوروبا، فظهرت الثورة الصناعية الأوروبية قائمةً على مواد خام ملطخة بعرق ودماء الأفارقة.
- اليوم، وبعد ما يقارب الـ 200 عام من بداية الحملات الاستعمارية الأوروبية لإفريقيا، انقلب الحال! اندحرت جيوش (الاستعمار) وحلت محلها جيوش (استثمار)، تتمثل هذه الجيوش في كشافة الأندية الأوروبية التي تجوب أرجاء القارة السمراء كافة بحثاً عن المواهب الكروية. وتبدلت السياسة الأوروبية من السعي وراء الموارد الطبيعية إلى الجري خلف الموارد البشرية الرياضية التي تزخر بها إفريقيا، خاصةً في لعبة كرة القدم.
- اللافت في في الحركة الأوروبية الجديدة في إفريقيا ــ إضافةً إلى تغير دوافعها ــ هو أن (تصدير) ثروات ومقدرات إفريقيا إلى أوروبا من دون مقابل في حقبة الاستعمار، قد تحول في زمن الاستثمار إلى (استيراد) الأندية الأوروبية للنجوم والمواهب الإفريقية بمبالغ طائلة تفوق ميزانيات بعض دول إفريقيا الفقيرة! ... ومن السخرية أن الدول الأوروبية التي استعمرت إفريقيا في الماضي (فرنسا - بريطانيا - هولندا - البرتغال - ألمانيا - بلجيكا - إيطاليا) هي الدول ذاتها الأكثر استقطاباً للاعبين الأفارقة في الوقت الحاضر! ... سبحان الله مقلّب القلوب مغيّر الأحول.
- كان الأوروبيون يعتمدون (السلاح) كأداة لسرقة الأفارقة وإذلالهم، وأصبحوا اليوم ينفقون (المال) كوسيلة لجلب لاعبي إفريقيا إلى أوروبا ولإرضائهم! ... ولّى زمن الاستعمار، وأتى زمن الاستثمار.
آخر فنجان:
بعد أن كانت العبودية هي الرابط بين ''أسياد أوروبا'' وشعوب إفريقيا، أصبح اللاعبون الأفارقة اليوم مرتبطين مع الأندية الأوروبية بعقود تحكمها قواعد قانونية ... إنها عدالة كرة القدم يا سادة.